في الشاهد من أمر عبده شيئا؛ ولم يعلمه ما أمره، ثم عاقبه بذلك؛ فهو خارج عن الحكمة؛ إذ لا سبيل إلى الوصول بما أمر به إلا بالتصريح، ولم يكن منه تصريح إعلام، لذلك كان ما ذكر؛ ألا ترى أنه أوعد لهم الوعيد الشديد في الآخرة بقوله: (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩).
يحتمل قوله: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي: ليعلم أتباعهم أن الرؤساء كانوا كاذبين، وإلا كان الرؤساء منهم كانوا كاذبين عند أنفسهم. أو أن يكون قال ذلك لما ادمًمى أُولَئِكَ الكفرة أن الآخرة لهم؛ كقوله: (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى. . .) الآية. فقال جوابًا له: ليعلم الذين كفروا منهم أنهم كانوا كاذبين؛ لادعائهم الآخرة لأنفسهم.
ثم قوله: (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: إنما اختلفوا في البعث: منهم من صدقه، ومنهم من كذبه يقول: يبين لهم ذلك.
ويحتمل قوله: (الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) أي: في الدِّين والمذهب؛ لأنهم اختلفوا في الدِّين والمذهب، وكل من ادعى دينا ومذهبا؛ حتى دعى غيره إلى دينه ومذهبه يتبين لهم المحق منهم من غيره؛ والصادق منهم من الكاذب.
وقوله: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩).
يحتمل كفرهم بالبعث؛ وإنكارهم إياه، أو كفروا برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أو وحدانية اللَّه (أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ).
في إنكار ما أنكروا، يتبين لهم ذلك في الآخرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)
يخبر عن سرعة نفاذ أمره، وسهولة الأمر عليه، أنه يكون أسرع من لحظة بصر ولمحة عين وفيه دلالة أن خلق الشيء ليس هو ذلك الشيء؛ لأنه عبَّر بـ (كن) عن تكوينه، ويكون عن المكون، وكذا كنى عنه بالشيء؛ لقوله: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ) فكنى عنه بوقوع القول