والمهاجرة: المقاطعة؛ كأنه قال: والذين قاطعوا أرحامهم، وأقاربهم، وأموالهم، ومكاسبهم، وديارهم، فأبدل اللَّه لهم مكان الأرحام والأقارب أخلاء وإخوانًا، ومكان أموالهم أموالا أخرى، وكذلك الدور وكل شيء تركوا هنالك؛ فأبدلهم مكان ذلك كله.
وأما قوله: (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
يشبه أن يكون ذكر هذا عن حسد كان من الكفرة للمهاجرين؛ لما أنزلهم في المدينة، وبوأهم فيها، وأعزهم، ورفع ذكرهم، وأمرهم، ونصرهم حسدهم أهل الكفر بذلك، فعند ذلك قال: ولأجر الآخرة لهم أكبر وأعظم في الآخرة، لو كانوا يعلمون ما وعد لهم في الآخرة.
ويحتمل أيضًا قوله: (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) هَؤُلَاءِ المهاجرون فيخفّ عليهم احتمال ما أوذوا وظلموا، ويهون، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢)
قال الحسن: أي: على ربهم يثقون في إنجاز ما وعد لهم في الآخرة أنه ينجز ذلك. ويحتمل قوله: (صَبَرُوا) على أمره، أو صبروا على الهجرة، وانقطاع ما ذهب عنهم، وفراق ما كان لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)
هذا - واللَّه أعلم - يكون على إثر أمر كان من الكفرة، نحو ما قال أهل التأويل: أنهم قالوا: (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا)، وقالوا: (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ) ونحوه؛ من كلامهم، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) أي: إلا بشرًا، أي: لم نرسل من غير البشر، فيكون قوله: (إِلَّا رِجَالًا) كناية عن البشر، أو أن يكون قوله: (إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) أي:، لم يبعث من النساء رسولا إنما بعث الرسل من الرجال إلى الرجال والنساء، واللَّه أعلم
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: ليس على الأمر بالسؤال، ولكن لو سألتم أهل الذكر لأخبروكم أنه لم يبعث الرسول من قبل إلا من البشر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو على الأمر بالسؤال؛ أي: اسألوا أهل الذكر فتقلدوهم؛ أي: إن كان