كانت مواتًا فعلى ذلك تسبيحها وخضوعها جائز أن يكون اللَّه يجعل في سرية هذه الأشياء ما تعرف السجود والتسبيح وتفهمه.
والثاني: يكون سجود هذه الأشياء وتسبيحها بالتسخير، جعلها مسخرات لذلك، وإن لم تعلم هي ذلك ولم تعرف، لكن جعلها بالخلقة كذلك.
والثالث: أنه جعل خلقة هذه الأشياء دالة وشاهدة على وحدانية اللَّه وألوهيته، فهن مسبحات لله وساجدات وخاضعات له؛ بالخلقة التي جعلها دالة وشاهدة على وحدانية اللَّه وألوهيته، هذا - واللَّه أعلم - معنى سجودهن وخضوعهن، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُمْ دَاخِرُونَ).
قيل: صاغرون ذليلون.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩)
يذكر هذا - واللَّه اعلم - أنه يسجد له أعلى الخلائق وأعلمهم وهم الملائكة، ويسجد له أشد الخلق وأصلبه وهو الجبال والسماوات والأرض، ويسجد له أيضًا ويخضع أسفه الخلق وأجهله وهو الدواب وغيرها، وأنتم أبيتم السجود له والخضوع، واستكبرتم عن عبادته، فهَؤُلَاءِ الذين ذكرهم يسجدون، يخبر عن سفه أُولَئِكَ في إبائهم السجود له والخضوع، واستكبارهم عليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ (٥٠)
قَالَ بَعْضُهُمْ: خوف الملائكة والرسل خوف هيبة اللَّه وجلاله لا خوف نزول شيء من نقمته عليهم، وخوف غيرهم من البشر خوف نزول شيء يضر بهم، وكذلك رجاؤهم وطمعهم رجاء نفع يصل إليهم، ورجاء الملائكة والرسل، وطمعهم رجاء رضاء اللَّه عنهم لا رجاء نفع يصل إليهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يخافون خوف العقوبة والانتقام؛ لأنهم ممتحنون، وكل ممتحن يخاف عذاب اللَّه ونقمته، ألا ترى أنه كيف أوعدهم الوعيد الشديد وقال: (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي