آباؤهم لم يولد الرسل والأنبياء، فيكون هلاكهم لا بظلم هَؤُلَاءِ ولكن بقطع النسل.
وإن كان المراد بتلك الدابة الدواب أنفسها فلأن الدواب إنما أنشئت للبشر ولمنافعهم، فإذا أهلكت الدواب أهلك المنشأ لهم، واللَّه أعلم.
وفي قوله: (لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنهم يقولون: يجعل اللَّه للخلق آجالا، ثم يجيء كافر فيقتله دون بلوغ الأجل الذي جعله اللَّه؛ حيث أخبر أنهم لا يستأخرون ساعة - بعد الأجل المضروب لهم - ولا يستقدمون قبل ذلك، وهم يقولون: بل يستقدمه كافر فيقتله، فذلك سرف في القول.
وهذا يخرج على وجهين:
أحدهما: لا يتأخر الأجل الذي جعل لهم ساعة ولا يتقدم عن ذلك.
والثاني: لا يجاب في التأخير ولا في التقديم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)
كانوا يجعلون لله أشياء يكرهون ذلك لأنفسهم من نحو البنات، يقولون: لله البنات؛ ويكرهون لأنفسهم البنات، ويجعلون له الشركاء من عبيده؛ وهم كانوا يكرهون لأنفسهم الشركاء من عبيدهم، وأمثاله؛ كقوله: (ضَرَبَ لَكُم مَّثَلا مِن أَنفُسِكُم. . .) الآية. يخبر - عَزَّ وَجَلَّ - عن سفههم وسرفهم في القول، ويخبر عن حلمه؛ حيث لم يستأصلهم ولم يهلكهم مما قالوا في اللَّه من عظيم القول من الولد والشريك؛ لنعلم أنه لم يمهلهم لغفلة ولا سهو ولكن لحلم؛ لأن يحلم الخلق في ذات اللَّه ولا يعجلوا بالعقوبة؛ إذ لو أراد إهلاكهم لأهلكهم ساعة قالوا ذلك؛ ولا يمهلهم يعيشون، لكن أخر ذلك ليوم، وهو ما قال: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا. . .) الآية.
وجائز أن يكون قوله: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ) أي: يجعلون لأولياء اللَّه مما يكرهون لأنفسهم؛ لأنهم يقولون: إن لهم الحسنى في الآخرة؛ وهي الجنة، وإن للمؤمنين النار؛ بقوله: (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ).