وكقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، وقال: (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ).
أخبر أنه يجيء بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شهيدًا على أُولَئِكَ: أن الرسل قد بلغوا الرسالة إليهم، وهو ما ذكر: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)، وقوله: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ. . .) الآية، وقوله: (وَيَومَ يُنادِيهِم): يسأل الرسل عن تبليغ الرسالة إلى قومهم، ويسأل قومهم عما أجابوا الرسل. إلى هذا يذهب بعض أهل التأويل، واللَّه أعلم.
جميع ما ذكر في القرآن من مجيئه وإنبائه ونحوه جائز أن يكون ذلك البعث تفسير ذلك كله.
قوله: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ): كذا من ذلك، وقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) و (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ)، وقوله: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ)، فهو البعث، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا).
قال الحسن: لا يؤذن لهم بالاعتذار؛ لأنه لا عذر لهم، وهو ما قال: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)؛ لأنه لا عذر لهم، وأعذارهم لا ينفع لهم شيئا؛ إذ اعتذارهم من نحو قولهم: (رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا)؛ وقولهم: (لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)، ونحو هذا مما لا ينفعهم ذلك؛ فلا يؤذن لهم لذلك.
(وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ).
قال الحسن: ولا هم يقالون، وكذلك قال في قوله: (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ)، أي: من المقالين، أي: لا يقالون مما كان منهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يؤذن لهم ولا يمكن لهم من التوبة والرجوع عما كانوا؛ لأن ذلك الوقت ليس هو وقت التوبة والرجوع، كقوله: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ). وهذه الآية، وقال: (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ)، ونحوه - (وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) العتاب في الخلق: هو تذكير ما كان من الفرط؛ ليرجع عما كان منه، وذلك في الآخرة لا يحتمل.