يحتمل: غافلون عن النظر في آياته وحججه، ويحتمل: غافلون عما يحل بهم؛ بكفرهم وتكذيبهم آيات اللَّه وحججه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا جَرَمَ ... (١٠٩)
قد ذكرنا ما قيل فيه: لا بد، وحقّا، وقيل: هو حرف وعيد.
(لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
قال الحسن: إنهم - واللَّه - خسروا الجنة ورحمة اللَّه، خسروا أهلهم ومنزلهم الذي كان لهم في الجنة، وخسروا منهم أنفسهم حين قذفوها في النار.
وقال أبو بكر الأصم: خسروا النعم الدائمة الباقية بالزائلة الفانية، وخسروا أنفسهم؛ حيث قتلوا، وأسروا في الدنيا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠)
قيل: عذبوا على الإيمان بمكة، ثم جاهدوا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه عدوَّهم، وصبروا على ذلك.
(إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
قيل: من بعد الفتنة لغفور لما كان منهم، (رحيم) ذكر مرتين:
أحدهما: قوله: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا)، ثم قال: (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، قيل: من بعد الفتنة، فيجيء أن يكتفى بواحد يقول: لغفور رحيم موصولًا بقوله: للذين فعلوا ما ذكر، لكنه ذكر مرتين - واللَّه أعلم: إنه لغفور لهم يعني: لهَؤُلَاءِ الذين فتنوا وعذبوا، ولغيرهم.
ذكر أهل التأويل أن أناسًا من المؤمنين خرجوا إلى المدينة فأدركهم المشركون؛ ليردوهم؛ فقاتلوهم؛ فمنهم من قتل، ومنهم من نجا؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا. . .) الآية.
ومنهم من يقول -أيضًا-: فيهم نزل قوله: (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا. . .) الآية.
وأكثرهم قالوا: إن قوله: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ