أي: كفرت بالشكر لأنعم اللَّه، أي: لم يشكروها، ليس أنهم لم يروها من اللَّه - تعالى - وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ).
اللباس: هو ما يستر وجوه الجواهر، ألا ترى أنه سمى الليل لباسًا؛ لما ستر وجوه الأشياء؛ فعلى ذلك الجوع يرفع الستر واللباس الَّذِي كان قبل الجوع؛ لأن الجوع إذا اشتد غير وجه صاحبه، ورفع ستره، والجوع: ما ذكر أنه أصابهم جوع حتى أكلوا الكلاب والجيف والعظام المحرقة. والخوف: ما ذكر أنه بعث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إليهم؛ ألا ترى أنه قال: " نُصِرتُ بالرعْب مَسِيرةَ شَهْرَينِ "، وقيل: الخوف: القتل.
وقوله: (رَغَدًا).
قال الكسائي: رغد الرجل إذا أصاب مالا أو عيشا من غير عناء وكدّ.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: رغدًا، أي كثيرًا واسعًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١١٣)
قوله: (رَسُولٌ مِنْهُمْ)، أي: من أنفسهم، من نسبهم وحسبهم، يعرفونه، كقوله: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ).
(مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ).
بالتكذيب؛ حيث وضعوا الشيء في غير موضعه، أو ظالمون على أنفسهم.
أخبر أنه بعث الرسول من جنسهم ومن حسبهم؛ لأنه إذا كان من غير جوهرهم لم يظهر لهم الآية من غير الآية، ولا الحجة من الشبهة؛ لأنه إذا خرج على غير المعتاد والطوق عرفوا أنه آية، وأنه حجة؛ إذ لا يعرفون من غير جوهرهم الخارج عن المعتاد والطوق، ويعرف ذلك من جوهرهم، وكذلك يعرف صدق من نشأ بين أظهرهم من كذبه، ولا يعرف إذا كان من غيرهم.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤)
قَالَ بَعْضُهُمْ: الحلال والطيب: واحد، وهو الحلال، كأنه قال: كلوا ما أحل لكم؛ كقوله: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ)، أي: ما حل لكم. وقَالَ بَعْضُهُمْ: (حَلَالًا طَيِّبًا)، أي: حلالًا يطيب لكم ما تتلذذون به؛ لأن من الحلال ما لا تتلذذ به النفس ولا