وكقوله: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)، ونحوه بعدما أقام عليهم من الآيات ما كانت لهم فيها كفاية فيشبه أن يكون اختلافهم الذي ذكر ذلك.
وقوله: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ): يخرج على وجهين:
أحدهما: (إنما جعل محنة السبت على الذين اختلفوا فيه)، أي: على الذين فسقوا فيه؛ حيث قال: (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
والثاني: إنما جعل عقوبة السبت على الذين اعتدوا فيه دون الذين اختلفوا فيه؛ لأن فريقًا منهم قد نهوهم عن ذلك، وفريقًا قد اعتدوا؛ فاهلك الذين اعتدوا دون الذين نهوهم.
وقوله: (اخْتَلَفُوا فِيهِ): يحتمل فيه، أي: في موسى، أو في يوم السبت الذي اختلفوا فيه وعوقبوا فيه، واللَّه أعلم.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
يحكم بينهم بالجزاء، ويحكم بما بين لهم المحق من المبطل:
لكن لو قيل: قد بين في الدنيا: بين المحق من المبطل؛ حيث أهلك فريقًا؛ وأنجى فريقًا؛ فكيف قال: يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ لكن يشبه أن يكون ذلك بالجزاء على ما ذكرنا.
* * *
قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)
وقوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ).
قيل: دين ربك.
(بِالْحِكْمَةِ).
قال الحسن: الحكمة: القرآن، أي: ادعهم إلى دين اللَّه بالقرآن.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: بالحكمة: بالحجة والبرهان، أي: ادعهم إلى دين اللَّه بالحجج والبراهين؛ أي: ألزمهم دين اللَّه بالحجج والبراهين؛ حتى يقروا به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).
قال الحسن: أي عظهم بالمواعظ التي وعظهم اللَّه - تعالى - في الكتاب.