قال بعض أهل التأويل: أي: لو كنتم حجارة أو حديدًا فيميتكم، لكن هذا بعيد؛ لأنهم لم يكونوا ينكرون الموت؛ إذ كانوا يشاهدون الموت؛ فلا يحتمل الإنكار، ولكن كانوا ينكرون البعث بعد الموت وبعدما صاروا ترابًا ورفاتًا، إلا أن يقال: إنكم لو كنتم بحيث لا تبعثون ولا تجزون بأعمالكم لكنتم حجارة أو حديدًا، لم تكونوا بشرًا؛ لأن الحجارة والحديد ونحو ذلك يخر ممتحن، ولا مأمور بشيء، ولا منهي عن شيء، وأما البشر فإنهم لم ينشئوا إلا للامتحان بأنواع المحن والأمر والنهي والحل والحرمة، فلا بد من الامتحان؛ فإذا امتحنوا بأشياء لا بد من البعث للجزاء والعقاب، فإذا لم تكونوا ما ذكر ولكن كنتم بشرًا فاعلموا أنكم تبعثون وتجزون بأعمالكم على هذا يحتمل أن يصرف تأويلهم، لا إلى ما قالوا؛ وإلا ظاهر ما قالوا وتأولوا لا يحتمل؛ لما لا أحد أنكر الموت.
ويحتمل قوله: (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ)، أي: لو كنتم ما ذكر حجارة أو حديدًا أو أشد ما يكون من الخلق لقدر أن ينشئكم بشرًا من ذلك؛ فكيف إذا كنتم بشرًا في الابتداء؟! أي: يعيدكم بشرًا على ما كنتم كما أنشأكم في الابتداء من ماء وتراب، وليس في ذلك الماء والتراب من آثار بشر شيء من العظام واللحوم والعصب والجلد وغيرها؛ فمن قدر على إنشاء هذا قدر على إنشاء البشر بعد الموت وبعد ما صار ترابًا ورفاتًا، على هذا يجوز أن يتأول.
ووجه آخر أن يقال: ظنوا أن لو كنتم حجارة أو حديدًا أو ما ذكر لبعثكم؛ فكيف تظنون أنه لا يبعثكم إذا كنتم ترابًا ورفاتًا أو كلام نحوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ... (٥١)
ذكروا هذا وكل ما يكبر في صدورهم على ما ذكر.
(فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا).
استهزاء منهم به.
(قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
إنهم، وإن قالوا ما قالوا استهزاء به وسخرية، فقد أمر اللَّه - تعالى - أولياءه المؤمنين أن يحاجوهم محاجة العقلاء والحكماء مع الحجج والبراهين، وإن كانوا قالوا سفهًا واستهزاء، وعلى ذلك عاملهم اللَّه، وإن كانوا سفهاء في قولهم مستهزئين، وكذلك أمر رسله أن يعاملوا قومهم أحسن المعاملة؛ حيث قال: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقال: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وإنما ذكر الله