و (عسى) من اللَّه واجب، أي: يكون لا محالة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَرِيبًا)، أي: كائنا، القريب يقال على الكون، أي: كائنًا، ويقال على القريب والبعيد كذلك يقال على الإنكار رأسًا، ويقال على الاستبعاد؛ كقوله: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (٧)، أي: هم لا يرونه كائنًا، ونراه نحن كائنًا؛ كقوله: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا): كانوا يستعجلون بها؛ لما لم يكونوا يرونه كائنًا والمؤمنون يرونه كائنًا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (٥٢)
يحتمل هذا الدعاء، والإجابة: دعاء الخلقة، وإجابة الخلقة؛ لما كانت خلقتهم تعظم ربهم، وتحمده في كل وقت، وتنبئ على ما ذكرنا في غير آية من القرآن.
ويحتمل دعاء القول وإجابة القول والدمل؛ لما كانوا عاينوا قدرته وعظمته أجابوا له بحمده وثنائه؛ كقوله: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ)، ونحوه أو أن يكون قوله: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ): يوم القيامة - كقوله: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ. . .).
وقوله: (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ. . .) الآية: أخبر أنهم يجيبون داعيهم يومئذ ويثنون على اللَّه؛ لما رأوا من الأهوال من ترك الإجابة له في الدُّنيَا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ)، أي: تجيبون داعيه بثنائه وبحمده، أي: تثنون على اللَّه وتخمدونه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا).
قال الحسن: قوله: (وَتَظُنُّونَ) أي: تعلمون وتيقنون أنكم ما لبثتم في الدُّنيَا إلا قليلًا، وكذلك قال قتادة، أي: يستحقرون الدنيا ويصغرونها؛ لما عاينوا القيامة وأهوالها.
وجائز أن يكون قوله: (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا) في القبر وجائز أن يكون في الدنيا يستقصرون المقام فيها لطول مقام الآخرة وأهوالها، ثم من أنكر عذاب القبر احتج بظاهر هذه الآية؛ حيث قال: (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا)، وقوله: (لَبِثْنَا يَوْمًا)، ومثله قالوا في العذاب والشدة: لم يكونوا يستقصرون ويستصغرون المقام فيه؛ إذ كل من كان في عذاب وبلاء وشدة - يستعظم ذلك ويستكثر ولا ينساه أبدًا، هذا المعروف عند الناس فإذا هم استقلوا ذلك واستصغروه حتى قالوا: (يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)، وقالوا: