وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا):
لا يحتمل أن يخاطب ربه ويقول: لئن أخرتني إلى كذا لأحتنكن؛ لأنه لما طلب التأخير والبقاء إلى يوم القيامة كان طالب نعمة منه ومنة؛ فيقول مقابل ما يطلب من النعمة: لئن أعطيتني ذلك لأعصينك؟! إنما يذكر مقابل طلب النعمة الطاعة له والشكر؛ على ما قال: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ): إنما يقابل بطلب النعمة الطاعة له، وأما مقابلة المعصية - فلا تعرف.
ثم يخرج قوله: (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) على وجهين:
أحدهما: على التأكيد، يقول: أي إنك، وإن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته.
أو على التمني منه الأمرين جميعًا: التأخير، واحتناك ذريته، وسؤاله إياهما.
ثم اختلف في قوله: (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ):
قَالَ بَعْضُهُمْ: لأحتوينهم ولأحيطن بهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لأضلنهم؛ على ما ذكر في آية أخرى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَأَحْتَنِكَنَّ): لأستزلن.
وقيل: لأ ستو لين.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (لَأَحْتَنِكَنَّ)، أي: لأستأصلنهم.
ويقال: هو من حنك الدابة، حنك دابته: يحنكها، حنكًا، إذا شد في حنكها الأسفل حبلًا يقودها به.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: أي: لأقودنهم كيف شئت.
ثم قوله: (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) كأنه سأل ربه التأخير، على ما ذكر في آية أخرى؛ حيث قال: (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)؛ كأن اللعين لما سمع قوله: (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)، أعلم، أنه لا تناله الرحمة في الإيمان به؛ حيث ذكر اللعنة عليه إلى يوم الدِّين، واللعين هو المطرود عن رحمته،