وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا).
لنعم ربه، يذكر سفههم من وجهين:
أحدهما: عبادتهم من يعلمون أنه لا ينعم عليهم في حال الرخاء، ولا يدفع عنهم البلاء في حال الشدة.
والثاني: أن في الشاهد من أنعم على آخر نعمة، وأحسن إليه - يشكر له ويثني عليه، وإذا حل به بلاء وشدة من أحد من الخلائق يدعو عليه ويلعنه، فمعاملة أُولَئِكَ الكفرة مع اللَّه على خلاف معاملة الخلق بعضهم بعضًا: يخلصون له الدعاء في حال الشدة والبلاء، ويكفرون نعمه في حال الرخاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨)
على ما خسف قوفا في البر، (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا).
على ما أرسل على قوم من الحصباء، وهي الحصى؛ فأهلكهم، (ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا): ناصرًا ينصركم، أو معتمدًا تعتمدون عليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (٦٩)
أي: يحوجكم إلى ركوب البحر مرة أخرى، (فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ).
أو يذكر هذا أن من قدر على إنشاء ما ذكر من الفلك وإجرائها في البحر، وتسكين أمواجه ودفع أهواله عنكم - لقادر على إهلاككم في البر، وإعادتكم في البحر ثانيًا، وإغراقكم فيه.
وفي قوله: (يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ) وقوله: (يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) - دلالة أن لله في فعل العباد صنعًا؛ لأنهم هم الذين يسيرون في البحر، وهم الذين يجرون الفلك فيه.
ثم أضاف الإجراء إلى نفسه، وكذلك السير؛ ليعلم أن له فيه صنعًا وفعلًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا):
قَالَ بَعْضُهُمْ: (تَبِيعًا)، أي: من يتبعنا بدمائكم، ويطالبنا بها.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: التبيع: الكفيل، ويقال: المتقاضي في موضع.
وقال غيره: هو من التبعة، أي: لا تجدوا لكم علينا به تبعة، وهو ما ذكرنا.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: الحاصب: الريح؛ سميت بذلك، لأنها تحصب، أي: ترمي