(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ)، (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ)، مثل هذا ما سئل عن شيء من الأحكام إلا وقد أجابهم وبين لهم بيانًا شافيا، وقال هاهنا: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).
وقال جعفر بن حرب: إن اللَّه قد أمر بالتكلم في الكلام بقوله: (وَجَادِلْهُمْ. . .) الآية، وقال: (فَلَا تُمَارِ فِيهِم. . .) الآية. ونحوه، فكيف نهى عن الخوض في الكلام؟
لكن أبا يوسف إنما نهى عن الخوض في الكلام الذي لا يدرك ولا يزيد الخوض فيه إلا حيرة وضلالًا نحو ما رُويَ عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " تفكروا في المخلوق ولا تتفكروا في الخالق " لأنه لا يدرك، فالتفكر فيما لا يدرك لا يزيد إلا عمى وحيرة وتيهًا، وأما الخوض في الذي يدرك ويعقل فإنه لم ينه عن مثله.
وأصله: ما ذكرنا من إباحة التكلم في الدِّين والخوض في الكلام في كثير من الآيات مق ذلك قوله: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. . .) الآية. ونحوه.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: أو لا نفسر الروح ما هو؟ لما لا يعلم ما أرادوا بالروح وهم قد علموا ما أرادوا.
أو علم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ما سألوا، وإنما سألوا ذلك عما في كتبهم؛ ليعلموا صدقه فيما يدعي من الرسالة؛ لما علموا أن غير الرسول لا يعلم ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: ما أوتيتم من العلم الذي به مصالحكم وما جاءكم إلا قليلًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: ما أوتيتم من العلم الذي أنشأه والعلم الذي عنده إلا قليلًا، وهو هكذا: أنا لم نؤت من العلم إلا علم ظواهر الأشياء وباديها، لم نؤت علم بواطن الأشياء وحقائقها، وذلك أما نعلم أن البصر يبصر، والسمع يسمع، واللسان ينطق، واليد تقبض وتأخذ، والرجل تمشي، والعقل يدرك، لكن لا نعلم المعنى الذي جعل فيه به يسمع وبه يبصر وبه ينطق وبه يأخذ وبه يمشي وبه يدرك، وكذلك نعرف هذه الحيوانات التي نشاهدها ونعايشها بأن هذا حمار، وهذا ثور، وهذا كذا، ولكن لا نعرف المعنى الذي به صار هذا حمارًا، أو هذا ثورًا، وكذلك كل جواهر وأجناس، فلا نعرف من العلوم التي أنشأها اللَّه إلا القليل منها - ظواهرها - وأما الحقائق فلا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (٨٦) من يقول بأن الروح الذي سألوه عنه هو الوحي والقرآن الذي أنزل عليه يحتج بهذه الآية، وبقوله: (لَئِنِ