أحدهما: أسماهم: عميًا وبكمًا وصفا لذهاب منافع هذه الحواس ولذاتها في الآخرة، ليس على حقيقة ذهابها، لكن حال بينهم وبين الانتفاع بها ما ذكر لهم: (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ. . .) الآية، فتلك الظلل تحول بينهم وبين رؤية الأشياء.
وسماهم في الدنيا: عميًا وبكمًا وصمًّا ليس على حقيقة ذهاب أعينها، ولكن لما لم ينتفعوا بهذه الحواس في الدنيا، ولم يستعملوها فيما أمروا باستعمالها - نفى ذلك عنهم، فعلى ذلك في الآخرة.
ويحتمل على حقيقة ذهاب أعين هذه الحواس؛ عقوبة لما لم يستعملوها في الدنيا لما له خلقت، كقوله: (لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا).
وقوله. عَزَّ وَجَلَّ.: (مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ)
أي: مقامهم جهنم، وإليها يأوون.
وقوله: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) اختلف فيه:
قال الحسن: قوله: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ)، أي: كلما خبا لهبها، وسكن (زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)، قال: يخمد لهبها من غير أن يذهب وجع ما أصابهم، ثم يزداد لهم سعيرًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (كُلَّمَا خَبَتْ)، أي: نضجت جلودهم، وسكنت النار (زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)، أي: نعود بنار على ما كانت، وجعلت تلتهب، وتستعر؛ كقوله: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: وذلك أن النار إذا أكلتهم فلم يبق منهم غير العظام وصاروا فحمًا، سكنت النار؛ فهو الخبت، ثم بدلوا جلودًا غيرها، فتكون وقودًا لها، واللَّه أعلم، وكله واحد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (كُلَّمَا خَبَتْ)، أي: كلما أحرقتهم النار، فصاروا رمادًا، خلقوا لها خلقًا جديدًا، فتعاودهم النار فتحرقهم، وذلك قوله: (زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)، وهو قول اللَّه: (لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ)، لا تبقي منهم شيئًا إذا أخذت حتى تحرقهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ.: (ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٩٨)
أي: ذلك الذي ذكر جزاؤهم (بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)، ثم قال: (أَوَلَمْ يَرَوْا ... (٩٩)
أي: أو لم يعتبروا، ولم ينظروا أن اللَّه الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم.