ورجليه، وقالا: نشهد أنك نبي اللَّه، فقال - عليه السلام -: " فما يمنعكما أن تسلما؟ " قالا: إنا إن أسلمنا يقتلنا اليهود.
فإن ثبت هذا الخبر، فلا يجوز أن يتعدى إلى غيره من التأويل، واللَّه أعلم.
وقوله. عَزَّ وَجَلَّ.: (فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ).
يعني: موسى، صلوات اللَّه عليه.
قَالَ بَعْضُهُمْ: أمر رسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن يسأل بني إسرائيل الآيات التسع التي كانت في كتبهم على التقرير عندهم أنه إنما عرف ذلك باللَّه، وأنه رسول؛ لما علموا أن تلك الآيات في كتبهم بغير لسانه، وكان لا يخط بيده، ولا كان اختلف إلى أحد منهم؛ ليعرف ذلك؛ فدل أنهم علموا أنه إنما عرف ذلك بوحي السماء.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ليس هو على الأمر أن يسألهم ذلك، ولكن لو سألتهم لأخبروك عنها كقوله: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. . .) الآية.
وقوله. عَزَّ وَجَلَّ.: (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا).
في عقلك، أي: سحرت، و " المسحور ": هو المغلوب في العقل.
وقولهم متناقض؛ لأنهم قالوا مرة: ساحر، ومرة: مسحور، فالساحر: هو الذي يبلغ بالبصيرة غايته، والمسحور: المغلوب.
وقوله. عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (١٠٢)
قوله: (عَلِمْتَ) بالنصب والرفع جميعًا قد قرئا، وأمكن أن يكون قال في ابتداء الأمر: قد علمت ما أنزل هذه الآيات إلا رب السماوات والأرض، وقال في آية أخرى لما أقامها عليه (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ).
ما يبصر بها الحق من الباطل من لم يعاند، ولم يكابر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ.: (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا).
قال موسى. عليه السلام. لفرعون: (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا)، مقابل ما قال له فرعون، حيث قال: (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: امثبورًا ": هالكًا.
وقيل: ملعونًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: مبدلًا.
ويحتمل قوله: (لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) أي: تدعو على نفسك بالثبور، وهو الهلاك كقوله: (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا) أي: هلاكًا.