عجبًا؛ فيكون الحساب على هذا التأويل في موضع العلم واليقين، كأنه قال: قد علمت أن أنباء أصحاب الكهف وأخبارهم آية عجيبة لرسالتك.
والثاني: إخبار عن أحوالهم وتقلبهم من حال إلى حال، فإن كان على هذا، فيكون الحسبان في موضع الحسبان، كأنه قال: قد حسبت أن أحوالهم وتقلبهم كان من آياتنا عجبًا، هذا إذا كان الخطاب به لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وأمَّا إذا كان الخطاب به لغيره، فإنه يجوز على الحسبان والظن وغيره، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠) أي: انضم.
قَالَ بَعْضُهُمْ: الكهف: الغار في الجبل.
وقيل: الفضاء.
وقيل: الملجأ.
ولكن قد ذكرنا: أنا لا ندري ما الكهف وما الرقيم؟ ذلك بلسانهم، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة، وهم الفتية اسم الأحداث منهم والشبان، لا اسم المشيخة، ثم يكون المماليك والخدم، ويكون الأحرار، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً):
قال الحسن: (رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي: جنة، (وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) أي: يسيرًا، وهو ما ذكر في قوله: (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا).
فهذا ليس بدعاء، إنما هو تلقين وإلهام منه إياهم، فيكون تفسيرًا للأول.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي: رزقًا؛ لأنهم كانوا يفارقون قومهم؛ لكفرهم؛ ليسلم لهم بينهم الذي هم عليه، وهو الإسلام، وقد عرفوا أنه يسع مفارقة الناس طلبًا لسلامة الدِّين، ولكن لم يعرفوا أنه يسع قوتهم، وما به قوام أنفسهم إلى مكان خال عن ذلك فسألوا ربهم الرزق؛ إشفاقًا على أنفسهم بقولهم: (آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي: رزقًا (وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) أي: احمل جميع أمورنا على الصواب والرشد على ما ذكرنا: أنهم عرفوا سعة المفارقة للدِّين، ولكن لم يعرفوا سعة ذلك؛ إذا كان فيه خوف هلاك أنفسهم، فسألوا ربهم أن يحمل أمرهم ذلك على الرشد والصواب.