ليس له حقيقة الفعل، بعد أن يضاف إليه الفعل، ألا ترى أنه يقال للجدار: سقط، وإن كان في الحقيقة يسقط.
وعندنا أنه: إنما يقال ذلك لقرب الحال، وعند الإشراف على الهلاك والسقوط؛ ألا ترى أن الرجل يقول: إن أردت أن أموت، وأردت أن أهلك، وأردت أن أسقط، وهو لا يريد الموت ولا السقوط؛ ولكنه يذكر ذلك لإشرافه على الهلاك وقرب الحال إليه، ليس على حقيقة الإرادة؛ فعلى ذلك قوله: (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)، أي: شرف وقرب على حال السقوط، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا).
هذا القول من موسى يحتمل وجهين:
أحدهما: قال (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)؛ لشدة حاجته إلى الطعام؛ لئلا يقع لهما حاجة إلى أهل تلك البلدة؛ إذ قد وقع لهما إليهم حاجة؛ حيث قال: استطعما من أهلها مرة فلم يطعموهما؛ فأراد أن يأخذ على ذلك أجرًا؛ لئلا يقع لهما حاجة إليهم ثانيًا.
والثاني: قال له ذلك، لما لم ير أهل تلك البلدة أهلا ليصنع إليهم المعروف؛ لما رأى فيهم من البخل والضنة في الطعام؛ حيث استطعماهم فلم يطعموهما؛ بخلا منهم وضنة، واللَّه أعلم.
وذكر في بعض القصة أن الجدار الذي أقامه صاحب موسى كان طوله خمسمائة ذراع، وقامته مائتي ذراع، وعرضه أربعين ذراعًا، أو نحوه تحته طريق القوم، لكن لا حاجة لنا إلى معرفة ذلك؛ إنما الحاجة إلى ما فيه من أنواع الحكمة والفوائد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨)
أي: سأنبئك بيان ما قلت لك: (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، ثم بين وفسره له؛ فقال: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)
أي: أجعله، معيبة.
وقوله: (وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ):
ذكر في بعض الحروف: (وكان أمامهم ملك).
(يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا).
فعلى ذلك التأويل فيه (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا)، أي: أجعلها معيبة، لئلا يأخذها ذلك الملك غصبا؛ إذ كان لا يأخذ إلا سفينة صالحة صحيحة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠)