وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) هم لم يكونوا يعبدون الشيطان عند أنفسهم، ولكن يحتمل إضافة عبادتهم إلى الشيطان وجوهًا:
أحدها: أن الأصنام التي عبدوها كانت لا تأمرهم بالعبادة ولا تدعوهم إليها ثم عبدوها، فإنما عبدوها بأمر الشيطان وبدعائه إياهم، فأضاف ذلك إليه للأمر الذي كان منه بذلك.
والثاني: ذكر أن الشيطان كان ينطق من جوف الصنم، فعبدوها لكلامه، فكأنهم عبدوا الشيطان، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥)
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (إِنِّي أَخَافُ): أي: أعلم أنه يمشك عذاب من الرحمن لو دمت على الكفر وختمت به، فإن كان تأويله العلم فهو على هذا الشرط يخرج.
ويحتمل أن يكون الخوف في موضع الخوف، أي: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) إن لم تنجز وعدك (فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) أي: قرينًا في العذاب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) ولا شك أنه كان راغبًا عن عبادة آلهتهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ -: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) يحتمل وجوها:
أحدها: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن دينك الذي أنت عليه (لَأَرْجُمَنَّكَ)، أي: لأقثلنك.
والثاني: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن قذف آلهتنا وسبِّها وذكرها بسوء (لَأَرْجُمَنَّكَ)، أي: لأشتمنك مكان شتمك وقذفك آلهتنا، فالرجم يشتمل على هذه الوجوه الثلاثة: القتل، والطرد، والشتم، فإن كان على القتل فهو مقابل الدِّين، أي: لئن لم تنته عن دينك لأقتلنك، وإن كان على الطرد فهو مقابل الدعاء، أي: لئن لم تنته عن دعائك إياي إلى ما تدعو لأطردنك، وإن كان علي الشتم فهو مقابل الشتم، أي: لئن لم تنته عن شتمك آلهتنا لأشتمنك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: طويلًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: دهرًا.