فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠)
يذكر - واللَّه أعلم - بهذا رسوله: أن الذين كذبوك وجحدوا رسالتك لم يكذبوك لجهلهم بالرسالة، ولكن لتعنتهم وعنادهم على ما ذكروا نبأه من قول هارون لقومه لما عبدوا العجل حيث قال: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ) فكأنه يؤيسه عن إيمان أُولَئِكَ لعنادهم، وهو ما قال: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ).
وقوله: (إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ) يحتمل وجهين:
أحدهما: (فُتِنْتُمْ)، أي: صرتم مفتونين بالعجل بصوته وخواره أو بغيره.
والثاني: (فُتِنْتُمْ) أي: ضللتم به، أي: بالعجل وإن ربكم الرحمن.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاتَّبِعُونِي)، أي: أجيبوا لي إلى ما أدعوكم به (وَأَطِيعُوا أَمْرِي)، أي: ما آمركم به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (٩١)
قَالَ بَعْضُهُمْ: (لَنْ نَبْرَحَ)، أي: لن نزال على عبادة العجل مقيمين حتى يرجع إلينا موسى.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَنْ نَبْرَحَ)، أي: لن نفارق عبادته، ثم قال موسى: (يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢)
هذا يدل أن قول هارون لهم: (إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ) أراد به: الضلال؛ حيث قال له موسى: (إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) يحتمل (أَلَّا تَتَّبِعَنِ)، أي: ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا صرت إلى ما كنت صرت أنا؟ وقد علمت إلى أين صرت أنا، أو أن يكون قوله: (أَلَّا تَتَّبِعَنِ)، أي: ألا تتبع ديني وسنتي وكانت سنته ومذهبه القتال والحرب معهم إذا ضلوا وتركوا دين اللَّه.
فاعتذر إليه هارون فقال: (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)
هذا أيضًا يخرج على وجهين:
أحدهما: أني خشيت إن اتبعتك وصرت إلى ما صرت أنت تقول لي: (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)؛ لأنك لو نهيتهم عما اختاروا من عبادة العجل وبينت لهم السبيل لعلهم