ويشبه أن يكون الذي قبضه هو تراب من أثر الفرس، على ما قاله أهل التأويل، وقد ذكر في حرف أبي: (فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول)، فإن ثبت ما قالوا، وإلا لم نزد على ما ذكر في الكتاب من هذه الأنباء والقصص التي كانت في كتبهم، فذكرت في القرآن؛ ليحتج بها رسول اللَّه على أُولَئِكَ؛ ليعرفوا أنه إنما عرف باللَّه تعالى، فلو زيد أو نقص عما في كتبهم، لذهب موضع الاحتجاج عليهم، بل يوجب ذلك شبه الكذب عليهم؛ لذلك وجب حفظ ما حكى في الكتاب من الأنباء والأخبار من غير زيادة ولا نقصان مخافة الكذب، إلا إن ثبت شيء يذكر عن رسول اللَّه أنه كان، فعند ذلك يقال، وإلا الكف أولى لما ذكرناه.
وفي قراءة الحسن وقتادة: (فقبصت قبصة) بالصاد، والقبصة: هو الأخذ بأطراف الأصابع، والقبضة: هو بالكف؛ فلا يحتمل أن يصح الحرفان جميعًا؛ لأن الأخذ بأطراف الأصابع دون الكف فهو خبر يخبر عما في كتبهم، فإما أن يكون ذا أو ذا؟ فأما أن يكونا جميعًا فلا يحتمل، إلا أن يقال: إنه أخذه بأطراف الأصابع، ثم رده إلى الكف؛ فحينئذ يكون، أو أن يكون ثَمَّ مرتان، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي).
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: كذلك سولت لي نفسي أنك متى تأخذ قبضة من أثر الرسول فنبذتها في الحلي يحيا.
أو أن يكون سولت له نفسه على ما كان عادتهم وطبيعتهم أنهم لا يعبدون ما لا يرونه ولا يقع بصرهم عليه؛ حيث قالوا: (يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) وكقولهم: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً)، فقال: سولت لي نفسي أن أتخذ لهم عجلا يرونه فيعبدونه.
أو سولت لي نفسي أن في قبضة أثر الرسول بناءً عظيمًا.
أو قال ذلك اعتذارًا لجميع ما كان منه من أول الأمر إلى آخر أمره، واللَّه أعلم.
وقوله تعالى: (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ ... (٩٧)
قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: لا تزال تقول: لا مساس، لا تقول غيره؛ عقوبة له وجزاء لصنيعه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أن تقول: لا مساس لم تمسني، ولا أمسك، أي: لا تمسني أبدًا،