كأنه خرج جوابًا لقول أُولَئِكَ الكفرة في رسول اللَّه صلوات اللَّه عليه، والأشبه أن يكون ما أصابهم من الشدائد والفتن والهلاك كانوا يتشاءمون برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويتطيرون به أن ذلك إنما يصيبهم به، وقالوا: لولا هو ما يصيبنا من ذلك شيء، فقال جوابًا لهم: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) بل حكمه أن يموت الكل على ما أخبر: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) فإذا لم يكن لأحد من قبلك الخلد بل كلهم قد ماتوا كيف يتشاءمون بك أن ذلك إنما يصيبهم بسببك وشؤمك؟! (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)، أي: وإن مت أنت وتخرج من بينهم لا يخلدون هم فيها؛ لأن من حكمه أن كل نفس ذائقة الموت.
(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٣٥) قد ذكرنا تأويله فيما تقدم في غير موضع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٦)
كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يذكر آلهتهم بسوء ويعيبها، يهزءون به مكان ما يعيب هو آلهتهم ويقولون: (أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ).
ثم يحتمل أن يكون من القادة منهم والرؤساء؛ إغراء لأتباعهم عليه أنه يذكر آلهتكم بسوء.
أو أن يقول بعضهم لبعض إذا خلوا عنه؛ كقوله: (وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ. . .) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: كانوا يقولون: لا نعرف ما الرحمن؟ فيكفرون باسم الرحمن.
ويحتمل أن يكون قوله: (بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ) بنعمة الرحمن وهو مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أي: يكفرون بنعمته.
أو أن يذكر هذا، ليصبر رسوله ويعزيه على تكذيبهم، ليس أياديك بأكثر من أيادي الرحمن، فهم يكفرون به ويكذبونه ويقولون فيه ما يقولون، فاصبر أنت على أذاهم وما قالوا فيك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ... (٣٧) وقال في آية أخرى: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا)، قال الحسن: عجولا، أي: ضعيفا، وضعفه هو أن يضيق صدره ويحرج عند إصابة أدنى شيء، حتى يحمله ضيق صدره على أن يدعو على نفسه وعلى مجيئه بالهلاك لضيق صدره وذلك لضعف فيه.