وقوله: (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).
أي: ما ربحوا في تجارتهم؛ لأَن التجارة لا تربح ولكن بالتجارة يربح، وقد يسمى الشيء باسم سببه.
وهو كقوله: (جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا) والنهار لا يبصر، ولكن بالنهار يبصر.
وذلك سائغ في اللغة، جائز تسمية الشيء باسم سببه.
ثم في قوله: (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ) نفى الربح دون نفى الأَصل في الظاهر، غير أَن النفي على وجهين:
نفي شيء يوجب إثبات ضده، وهو نفي الصفة؛ كقولك: فلان عالم: نفيت الجهل عنه، وفلان جاهل: نفيت العلم عنه.
ونفي شيء لا يوجب إثبات ضده، وهو نفي الأَعراض؛ لأَنك إذا نفيت لونًا لم يوجب ضد ذلك اللون.
وقوله: (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ) نفى الأَصل؛ كأَنه قال: بل خسرت تجارتهم، أَوجبت إثبات ضده.
دليله قوله: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) و (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
* * *
قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
وقوله: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)
اختلف فيه:
قيل: إنها نزلت في المنافقين؛ لأَنها على أَثر ذكر المنافقين، وهو قوله: (وَإِذَا لَقُوا