ومنهم من كان يعبده في حال السعة والرخاء، وهو ما ذكرنا من أمر المنافق.
وأمَّا المؤمن فهو يعبده في الأحوال كلها لما رآه معبودًا حقيقة، على ما ذكرنا.
وقوله: (وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ): قد ذكرنا أن الفتنة هي المحنة التي فيها بلاء وشدة.
وقوله: (انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ):
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو على التمثيل؛ على ما ذكرنا في قوله: (نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ)، وقوله: (انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: على تحقيق انقلاب وجهه؛ لأنه كان عبادته ظاهرة، لم يكن يعبده في الباطن في حال السعة، فلما أصابته الشدة ترك عبادته ظاهرًا على ما كان باطنه، فهو انقلاب وجهه، واللَّه أعلم.
وقوله: (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ): أما خسران الدنيا؛ لأنه فات عنه ما كان يأمله بزوالها، وخسران الآخرة ظاهر: العذاب والشدائد.
وجائز أن يكون خسران الدنيا هو خضوعه لمن لا يضر ولا ينفع للعبادة للأصنام (ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)؛ لأنه خسر في الدارين جميعًا أمله وطمعه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢)
قيل: إن الآية في المنافقين، وهم كانوا لا يعبدون على حرف ليست بعبادة اللَّه، إنما هي عبادة للشيطان، فأخبر أنه يعبد ما لا يضره إن ترك العبادة له، ولا ينفعه إن عبده؛ يدل على ذلك: قوله: (ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)؛ لأنه عبد من لا يضره إن لم يعبده، ولا ينفعه إن عبده، فذلك هو الضلال البعيد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣)
قَالَ بَعْضُهُمْ: تأويله: يدعو من ضرره أقرب من نفعه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ)، هذا إن عبده، ضرّه عبادته إتاه في الآخرة والأولى؛ حيث قال: (مَا لَا يَضُرُّهُ) إن ترك عبادته في الدنيا (وَمَا لَا يَنْفَعُهُ) إن عبده، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: (لَبِئْسَ الْمَوْلَى) أي: الولي، وهو الشيطان (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) يعني: الصاحب، كقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، أي: صاحبوهن بالمعروف.