والكف عن الشرور ثم لم يقدر على وفاء ما أراد، ويقولون: لا صنع له في أفعال العباد، ولا تدبير؛ فعلى قولهم: لم يفعل اللَّه مما أراد واحدًا من ألوف، ويقولون: إن اللَّه أراد هدى جميع الخلائق، لكنهم لم يهتدوا، وهو أخبر أنه يهدي من يريد، وهم يقولون: يريد هدى الخلق كلهم فلم يهتدوا.
ونحن نقول: من أراد اللَّه هداه اهتدى، وما أراد أن يفعل فعل، وهو ما أخبر (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)، أخبر أنه يفعل ما يريد، فيخرج على قولهم على أحد الوجهين: إما على الخلاف في الوعد، وإما على الكذب في القول والخبر، فنعوذ باللَّه من السرف في القول.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (١٥)
تأويل الآية - عندنا - يخرج على وجهين:
أحدهما: من كان يظن أن لن ينصر اللَّه محمدًا - عليه أفضل الصلوات - ثم نصره، فغاظه نصره إياه فيدوم غيظه - (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ) أي: بحبل من السماء فيخنق ويقتل نفسه؛ ليذهب غيظه الذي غاظه نصره؛ يستريح مما غاظه.
والثاني: يخرج على الوعد بالنصر والخبر: أنه ينصره، يقول: من كان يظن أن ما وعد له من النصرة، لا يفعل ذلك له، ولا ينصره، ولا ينجز ما وعد؛ (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ)، أي: ليحبس ما وعد له من النصر؛ إن غاظه ما وعد؛ ليذهب غيظه الذي غاظه؛ فعلى هذا التأويل يكون السماء سماء الأصل، أي: يحبس السبب الَّذِي ينزل من السماء.
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ) أن لن يرزقه اللَّه، ويجعله صلة قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ)، لأنه يجعل الآية في أهل النفاق، يقول: من كان يظن من أهل النفاق: أن اللَّه لا يرزقه إذا كان في ذلك الدِّين الذي كان فيه ودام - فليمدد بما ذكر.
وقال مجاهد: (كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ)، قال ذلك خيفة ألا يرزق.
وأهل التأويل صرفوا السماء إلى سقف البيت، ويقولون: القطع: الخنق.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ) أي: لن يرزقه اللَّه وهو قول أبي عبيدة