وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن في جهنم دركات، فإذا اشتد العذاب بهم ينقلبون من دركة السفلى إلى دركة العليا، ويصعدون، ثم يريدون الخروج منها، فيعادون فيها، كقوله: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن النار تضربهم بلهبها فترفعهم، حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع من حديد، فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفر لهبها، واللَّه أعلم بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٢٣) أي: من تحت أهلها، وهو كما ذكر في آية أخرى: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ).
وقوله: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا) ذكر هذا - واللَّه أعلم - لقوم رغبوا في هذه الدنيا بالتحلي بما ذكر، وتفاخروا به فيها، وهو ما ذكر: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ)، وإلا قلما يرغب الناس في الدنيا في التحلي بما ذكر إلا النساء خاصة.
فإما أن ذكر للنساء أو لقوم تفاخروا به في الدنيا فوعد لهم في الآخرة ذلك (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ).
وقوله: (وَلُؤْلُؤًا) قال الكسائي: من قرأ: (وَلُؤْلُؤًا) بالخفض فهو يخرج على أنهم: يحلون فيها من أساور من ذهب، ويحلون فيها من لؤلؤ حلية سوى الأساور.
ومن قرأ بالنصب: (وَلُؤْلُؤًا)، أي: يحلون فيها لؤلؤًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)، وكذلك ذكر في الخبر: " هُوَ لَهُم في الدنيا، ولنا في الآخرة ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (٢٤)
جائز أن يكون هذا في الدنيا والآخرة: أما في الدنيا: هو قول التوحيد، وشهادة الإخلاص، وأمّا في الآخرة كقوله: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فهو القول الطيب الذي هدوا إليه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ): هو القرآن (وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ): الإسلام وشرائعه.
وقال قتادة: ألهموا التسبيح والتحميد كما ألهموا النفس.