مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩)
وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى ... (٥٢) أي: تلا (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) قيل: في تلاوته، وقراءته الآية.
قال عامة أهل التأويل: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا تمنى - أي: تلا في صلاته - أو حدث نفسه، ألقى الشيطان على لسانه عند تلاوته بـ (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) حتى إذا انتهى إلى قوله: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى). قال: " تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى ". ويذكرون أنه أتاه على صور جبريل، فألقى عليه ما ذكروا، ثم أتاه جبريل فأخبره النبي بذلك، فقال له: إنه لم ينزل عليه قط شيئًا مثله. وأمثال ما قالوا.
لكنه لو كان ما ذكر هَؤُلَاءِ كيف عرفه في المرة الثانية أنه جبريل، وأنه ليس بشيطان، ولا يؤمن أنه يلبس عليه في وقت آخر في أمثاله.
وقال قتادة: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يتمنى أن يذكر اللَّه آلهتهم بعيب، فلما قرأ تلك الآية (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى)، قال: " إنهن الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى عندهم "، يعني به: عند أُولَئِكَ الكفرة، وهم على ذلك كانوا يعبدونها.
وقال الحسن: إنه أراد بقوله: " تلك الغرانيق العلا وإن، شفاعتهن لترتجى " الملائكة؛ لأنهم كانوا يعبدون الملائكة؛ رجاء أن يشفعوا لهم يوم القيامة، فأخبر أن شفاعة الملائكة ترتجى.
وهذان التأويلان أشبه من الأول.
والأشبه - عندنا -: أن يكون على غير هذا الذي قالوا، وهو أن قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أي: عند تلاوته القرآن في قلوب الكفرة ما يجادلون به رسول اللَّه ويحاجونه؛ فيشبهون بذلك على الأتباع ليتبعوهم، وهو نحو قولهم: إنه يحرم ما ذبحه اللَّه، ويحل ما ذبح هو بنفسه. ونحو قولهم عند نزول