وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو عذاب يوم القيامة وهو شديد.
وجائز أنه سمَّاه عقيمًا؛ لأنه لا يرجى النجاة منه، وكذلك سميت المرأة التي لا تلد: عقيمًا؛ لما لا يرجى منها الوليد.
وقوله: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) قال الحسن: الملك في الأحوال كلها لله في الدُّنيَا والآخرة، لكن تأويل قوله: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) أي: الحكم يومئذ لله، هو يحكم بينهم دون الخلائق؛ لأن في الدُّنيَا من قد حكم غيره، فأما يومئذ فالحكم له.
وعندنا: تخصيص الحكم يومئذ له بالذكر وإن كان الملك في الأيام كلها لله؛ لأنهم جميعًا يقرون له بالملك يومئذ، لا أحد ينازع، وفي الدنيا من قد ادعى الملك لنفسه، وهو ما ذكره في قوله: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا)، (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)، ونحوه، فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٥٧) ظاهر تأويله.
وقوله: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) أما أهل التأويل فإنهم صرفوا تأويل الآية إلى الغزاة والمجاهدين في سبيل اللَّه فقتلوا أو ماتوا حتف أنفهم، فإن لهم ما ذكر من الرزق الحسن والمدخل المرضي، وظاهره أن يكون في الذين هاجروا إلى رسول اللَّه، فإن كان فيهم ففيه دلالة نقض قول الروافض، حيث قالوا: ارتد عامتهم، حيث شهد اللَّه لهم بالجنة، والرزق الحسن، والمدخل المرضي، قتلوا أو ماتوا حتف أنفهم؛ فلا يحتمل أن يكون منهم ما قالوا.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: قوله: (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ)، أي: تخضع وتذل، وهو ما ذكرنا في قوله: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ).
وقال: (عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) كأنه عقم عن أن يكون فيه خيرا وفرجًا للكافر.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ): شديد، وهو ما ذكرنا.
وقوله: (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا) قيل: هو الجنة؛ لأنه إنما ذكر بعد الموت والقتل؛ فلا يكون رزق حسن إلا في الجنة يستحسنها كل طبع وعقل.