وقوله: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ... (٧٢) يحتمل الآيات: الحجج والبراهين، ويحتمل: القرآن المنزل عليه.
(تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ): الإنكار، آثروا العناد، والرد لآياته، والكراهية والبغض له.
قوله تعالى: (يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) يخبر عن سفههم وشدة تعنتهم وعتوهم عند تلاوة الآيات عليهم، وإقامة الحجج عليهم، حيث قال: (يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ) (يَسْطُونَ)، قيل: يأخذون أخذا، وقيل: يبطشون بطشًا.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (يَسْطُونَ)، أي: يتناولونهم بالمكروه من الشتم والضرب.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (يَكَادُونَ يَسْطُونَ) أي: يقعون بهم، يقال: سطا يسطو سطوة، ورجل ذو سطوة وبطشة، أي: ذو قوة وقدرة، قال: ويقال: سطوت بفلان، أي: أخذته أخذا شديدًا، أو بطشت به كذلك.
ثم قال: (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ) ظاهر الآية ليس بجواب لما تقدم، ولا صلته، وليس على الابتداء، ولكن على نازلة وأمر كان منهم، لم يذكر لنا ذلك.
فأما ابن عَبَّاسٍ وغيره من أهل التأويل قالوا: إنما أنزلت جوابا لما قالوا لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولأصحابه، حيث قالوا: ما نعلم قوما أشقى منكم حيث رأوهم قد حظر الدنيا عليهم، لم يعطوا من الدنيا شيئًا، فنزل جوابًا لهم: (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ. . .) الآية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو جواب قوله: (يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ) (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ)؛ كقوله: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ. . .) الآية.
وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ... (٧٣) قد ذكر معنى ضرب الأمثال والحاجة إليها، وذلك أن العقول يجوز أن يعترض ما يستر عليها سبيل الحق وإلا لم يجز ألا تدرك العقول لما جعلت العقول له من درك الحق، لكن يمنع عن درك الحق وسبيله ما ذكرنا من اعتراض السواتر والحجب فيستكشف ذلك بما ذكرنا من الأمثال، ثم في هذا المثل وجهان:
أحدهما: يخبر عن تسفيه أحلامهم في عبادتهم من لا يقدر على خلق أضعف خلق،