يحتمل الأمانات: العبادات والفرائض التي فرضت عليهم، راعوها، أي: أدوها في أوقاتها، والعهود التي فيما بينهم وبين ربهم.
أو أن يكون الأمانات التي وضعت عندهم والعهود التي فيما بينهم وبين الخلق، راعوها، أي: حفظوها، وأدوها إلى أربابها ولم يضيعوها، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩)
يكون محافظة الصلاة بوجوه:
أحدها: يحافظونها بأركانها وفرائضها ولوازمها وآدابها.
والثاني: يحافظونها بأسبابها التي جعلت لها من الأوقات والطهارات وستر العورة وغيرها من الأسباب التي لا تقوم الصلاة إلا بها.
والثالث: يحافظونها بالخشوع والوقار وإظهار الذل له والإخلاص، وغير ذلك من الأشياء مما ندب المصلي إليه، وعلى ذلك جميع ما ذكر من الأمانات وغيرها، والله أعلم.
وقوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١)
الوارث: هو الباقي عن المورث.
وقال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ) أي: إنا باقون عن الخلق، أي: يفني الخلائق، وهو يبقى.
أو أن يكون قوله: (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) هكذا هو ما وعد اللَّه عباده الجنة إن أجابوه، وإليها دعاهم بقوله: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ)؛ فمن ترك إجابته يصير الموعود الذي وعد له إن أجاب لمن أجابه؛ فذلك الوراثة التي ذكر اللَّه.
وقوله: (الْفِرْدَوْسَ)، قيل: هو بلسان الروم: بستان، سمى اللَّه الجنة بأسماء مختلفة: منها عدن، ونعيم، ومأوى، وفردوس، وهي في الحقيقة واحد؛ لأن العدن هو المقام، والنعيم هو ما ينعم، ومأوى فهي كذلك، ثم فردوس وعدن، ومأوى نعيم.
وروي في بعض الأخبار عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الفِردَوْسُ رَبْوةُ الجَنَّةِ الْعُلْيَا، وَهِيَ أوْسطُهَا، وَأَحْسَنُهَا "، فإن ثبت هذا فهو ما ذكر.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، قال: الإقبال عليها، والذلة فيها.