واللَّه أعلم.
وقوله: (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (٤٧)
قَالَ بَعْضُهُمْ، تعجب: نرفعهم بعد ما كنا غالبين عليهم؟!! نجعلهم غالبين علينا وكانوا لنا عابدين؟! أي: نرفعهم فوقنا ونكون تحتهم، ونحن اليوم فوقهم وهم تحتنا، كيف نصنع ذلك؟! وذلك واللَّه أعلم - حين أتوهما بالرسالة.
(فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨)
صاروا من المهلكين بالتكذيب.
وقوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩)
يشبه أن يكون حرف (لعل) لموسى، أي: آتينا موسى الكتاب؛ لعلهم يهتدون عنده، و (لعل) حرف رجاء وترجٍ؛ لكن يستعمل مرة: على الإيجاب والإلزام، ومرة: على النهي؛ كقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ)، أي: لا تبخع نفسك، وقوله: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ)، أي: لا تترك بعض ما يوحى إليك، وذلك جار في اللغة؛ يقول الرجل لآخر: لعلك " كذا، أي: لا تفعل، ونحوه، و (لعل) من اللَّه يحتمل الإيجاب والإلزام والنهي، من الخلق: يحمل على النهي والترجي، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)
خص - عَزَّ وَجَلَّ - وأمه بأن جعلهما آية، وجميع البشر في معنى الآية واحد؛ إذ خلقوا جميعًا من نطفة، ثم حولت النطفة علقة، والعلقة مضغة، إلى آخر ما ينتهي إليه؛ فيصير إنسانًا؛ فالآية والأعجوبة في خلق الإنسان من النطفة ومما ذكرنا إن لم تكن أكثر وأعظم لم تكن دون خلقه بلا أب ولا زوج وما ذكر، لكنه خصهما بذكر الآية فيهما؛ لخروجهما عن الأمر المعتاد في الخلق، والعادة الظاهرة فيهم أن يخلقوا من النطفة والأب والتزاوج والأسباب التي للتوالد والتناسل الذي تجري فيما بينهم والأسباب التي جعل للتوالد في الخلق؛ وجهما عن الأمر المعتاد والعادة الظاهرة خصهما بذكر الآية والأعجوبة في خلق البشر. النطقة، وما ذكر إن لم يكن أكثر وأعظم لم يكن دونه، وهو كما خصَّ بني إسرائيل بالخطاب بالشكر؛ لما أنعم عليهم من المن والسلوى، ولما أنجاهم من آل فرعون بقوله: (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ).
، وقال: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)