فقالوا: لله، لم يجدوا بدًّا من أن يقولوا: لله وأن يقروا؛ لأنهم لو أنكروا ذلك لظهر جهلهم عند كل الخلائق؛ فقالوا: لله؛ فيقول: فإذا عرفتم أن ذلك كله له، وهو خالقهم، فكيف تركتم طاعته، وأنا لست أدعوكم إلا إلى ذلك: أن تجعلوا الأرض وما فيها كله لله؛ أفلا تتعظون وتقرون بما أدعوكم إليه؛ وعلى ذلك قوله: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) لابد لهم من أن يقروا بذلك، فإذا عرفتم بذلك وأقررتم به: (أَفَلَا تَتَّقُونَ): مخالفته، وتتقون نقمته.
وكذلك ما قال: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ... (٨٨)
فإذا عرفتم ذلك، وأقررتم به، (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩)
قيل: فانى تصرفون عن ذلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: فأنى تخدعون وتفرون في ذلك؛ إذا عرفتم أن ذلك كله لله.
وجائز أن يكون قوله: (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ): رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وتقولون: إنه ساحر كذاب، وهو ليس يدعوكم إلا إلى ما أقررتم واعترفتم به؛ فأنى تنسبونه إلى السحر، واللَّه أعلم.
وقوله: (مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ): قد ذكرناه فيما تقدم.
قوله: (وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ).
أي: هو يؤمن كل خائف، ولا يقدر أحد أن يؤمن من أخافه هو، وهو كقوله: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ. . .) الآية.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: قوله: (وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ)، أي: لا يمنع، (وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ)، أي: لا يقدر أحد أن يمنع منه أحدًا؛ (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ)، أي: تغرون وتخدعون، تقول: سحرت، أي: خدعت وغررت، وقال: تسحرون، أي: تخدعون وتصرفون عن هذا، وسمي السحر من هذا.
وقوله: (بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٩٠)
قد ذكرنا أنه يحتمل وجوهًا:
أحدها: بالحق، أي: بوحدانية اللَّه، وألوهيته، وتعاليه عن الشركاء والولد، وعما وصفوه.
أو أن يكون قوله: (بِالْحَقِّ)، أي: بالقرآن الذي عرفوه أنه حق، وأنه من عند اللَّه.
أو أن يريد (بِالْحَقِّ): محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عرفوا أنه حق وأنه رسول اللَّه إليهم.
أو أن يكون (بِالْحَقِّ) ما ذكر: من ذكرهم، وما فيه شرفهم ومنزلتهم.