قوله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)
وقوله: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ).
ظاهر هذا يوحي أن هنالك إلهًا آخر؛ لأنه قال: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)، لكنه يخرج على وجهين:
أحدهما: لا يحتمل مع اللَّه إلهًا آخر؛ كقوله: (وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ).
والثاني: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)، أي: من يسم مع اللَّه إلهًا آخر؛ إذ كانوا يسمون الأصنام التي كانوا يعبدونها: آلهة، على هذين الوجهين يخرج تأويل الآية.
وقوله: (لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ).
أي: لا حجة لهم بذلك؛ لأن الحجة إنما تكون بوجوه ثلاثة:
إما بالأخبار التي يجوز الشهادة على صدقها وصحتها.
وأما العقول السليمة.
وأما من جهة الحس يدل على ذلك؛ فلم يكن لهم واحد من هذه الوجوه.
ثم الحس يكون بالدلالة من وجهين: إما بوقوع الحس عليه بالبديهة أو بآثار تدل على الألوهية؛ فلا كان في ظاهر وقوع الحس دلالة ذلك، ولا كان بها آثار تدل على ذلك، بل فيها آثار العبودة والذل، فضلا أن يكون لها آثار الألوهية، فلا عذر لهم في ذلك؛ لأن العبادة لآخر إنما تكون: إما للنعم والأيادي تكون منه إليه؛ فيعبده شكرًا لما أنعم عليه وأحسن إليه، وإما لحوائج يطمع قضاءها له، وإما لما يرى له في نفسه من آثار العبودة له؛ فإذا لم يكن واحد من هذه الوجوه التي ذكرنا فلا عذر لهم في عبادة تلك الأصنام.
فإن قالوا: لنا برهان وحجة في ذلك.
قيل: قطع حجاجكم بما ذكر من قوله: (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ. . .) الآية، وقوله: (فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا)، ونحو ذلك من الآيات: فيها قطع حجاجهم.
وفي حرف حفصة: (لَا بُرْهَانَ لَهُ)، أي: لا سلطان له به.
وقوله: (فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ).
قال قائلون: (حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) هو قوله: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)، وقال