فأما المحارم منها فإنهم لا ينظرون إلى هذه المواضع منها لشهوة ولا يقصدون به ذلك ألبتَّة؛ فأبيح لهم النظر إليها لحاجة.
وكل من يخشى من المحارم النظر إليها لشهوة لا ينظر إليها، وكذلك الأجنبي حيث أبيح النظر إلى الزينة الظاهرة فإن خشي به الشهوة لم ينظر إليها.
ثم غيرها من الزينة لا يحل لأحد النظر إليها: الأب وغيره - إلا للزوج خاصة وللمولى إلى مملوكته وهو ما قال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)، استثنى الأزواج والموالي من بين غيرهم؛ لأن النظر إلى ذلك لا يكون إلا للشهوة لا يقع فيه حاجة فلا يباح ذلك إلا لمن له قضاء أن شهوة والوطء وهو الزوج والمولي.
فانقسمت العورة إلى جهتين:
جهة يحل للمحارم منها النظر إليها لحاجة وضرورة تقع لهم.
وجهة لا تحل لهم إلا للأزواج لما لا يقع لهم حاجة ولا ضرورة بالنظر إلى ذلك؛ ألا ترى أن الأمة ينظر إلى شعرها وذراعيها وساقيها وصدرها إذا أراد شرائها ولا ينظر إلى ما سوى ذلك، فإذا جاز للأجنبي أن ينظر إليه من الأمة جاز لمحرمها النظر إلى ذلك من المرأة للحاجة التي ذكرنا.
ثم ذكر في الآية المحارم جميعًا عدا الأعمام والأخوال، قَالَ بَعْضُهُمْ: إنما لم يذكرا في هذه الآية؛ لأنها تحل لبنيهما بالنكاح فكره أن يصفاها لبنيهما؛ ولهذا كره من كره للمرأة المسلمة إبداء الزينة الخفية للكافرة من اليهودية والنصرانية لما لعلها تصف ذلك للمشركين، فيرغبون فيها، ويتكلفون ذلك، وصرف قوله: (أَوْ نِسَائِهِنَّ) إلى المسلمات.
لكن جائز عندنا أن العم والخال إنما لم يذكرهما للكثرة والتطويل لما يكثر ذلك من أجناسهم وأمثالهم، فذكر الرخصة في أمثالهم كافية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ نِسَائِهِنَّ) يحتمل وجوهًا:
يحتمل النساء اللاتي يختلطن بهن، أو نساء قرابتهن وأرحامهن، أو النساء اللاتي توافقهن في دينهن، وهن المسلمات على ما قاله أُولَئِكَ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ).
قال قائلون: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) كقوله: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)، ونحوه.
وقال قائلون: الإماء والعبيد جميعًا.
فإن كان المراد به الإماء فهو ظاهر.