حِجْرًا مَحْجُورًا؛ إذا رأوا الملائكة وما معهم من المواعيد.
قَالَ بَعْضُهُمْ: إن الملائكة يتلقون المؤمنين بالبشرى على أبواب الجنة، ويقولون للكفرة: لا بشرى لكم، ويقولون: حِجْرًا مَحْجُورًا، أي: تقول الملائكة: حرام البشرى للمجرمين، أو حرام عليهم الجنة أن يدخلوها، والحجر على هذا القول هو الحرام.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الحجر هاهنا هو المنع والحظر، يقولون: إنهم يمنعون ويحظرون عما طمعوا وقصدوا بعبادتهم الملائكة والأصنام التي عبدوها، حيث قالوا: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ)، و (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، فيقول: يمنع عنهم ما قصدوا وطمعوا بعبادتهم.
أو يكون المنع: ثواب الخيرات التي عملوها في هذه الدنيا من صلة الأرحام والصدقات ونحوها، مما هي في الظاهر خيرات منعوا ثوابها في الآخرة؛ كقوله: (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)، وقوله: (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى)، ونحو ذلك كله، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣) هو ما ذكرنا من الأعمال عملوها في هذه الدنيا رجاء أن يصلوا إليها في الآخرة، فجعلناها هباء منثورا.
قال أهل التأويل: (وَقَدِمْنَا) أي: عمدنا وقصدنا إلى ما عملوا من عمل.
لكن عندنا: جعلنا أعمالهم تلك في الأصل هباء منثورا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: منبثا وهو رهج الدواب.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الهباء المنثور: هو غبار الثياب.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو الغبار الذي يكون في شعاع الشمس، وهو الذي يسمى: الذر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ قوله: (حِجْرًا مَحْجُورًا) أي: عوذا معاذا، يقول: المجرمون يستعيذون من الملائكة.