تسع آيات إلى فرعون؛ كما قال: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ).
وقوله: (إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ): دل هذا أنه كان مبعوثًا إلى فرعون وقومه جميعًا؛ إذ ذكر في آية إلى فرعون خاصة، وفي آية أخرى. (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ)، وذكر هاهنا (إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ)، فكان مبعوثًا إلى الكل.
وقوله: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) أي: يبصر بها ويعلم، كقوله: (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)، أي: يبصر به.
وقرأ بعضهم: (مُبْصَرَةً) بنصب الصاد، أي: بينة ظاهرة يبصر فيها؛ وكذلك قال موسى لفرعون: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ).
وقالوا: (هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ): لم يزل عادة فرعون اللعين تلبيس أمر موسى وآياته على قومه؛ لئلا يؤمنوا به ولا يطيعوه فيما يدعوهم؛ مرة قال: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ)، و (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ). وأمثال ذلك مما يلبس على قومه أمره ويغويهم عليه؛ لئلا يطيعوه فيما يدعوهم إليه ولا يجيبوه.
وقوله: (وَجَحَدُوا بِهَا ... (١٤) بالآيات: جائز في اللغة أن يقال: (جحد بها) و (جحدها)؛ كلاهما واحد.
ثم قَالَ بَعْضُهُمْ: إن الجحود لا يكون إلا بعد العلم به والإيقان.
ولكن يجوز أن يقال: جحد بعد المعرفة والعلم، وقبل أن يعلم به ويعرف؛ إذ الجحود ليس إلا الإنكار، وقد يكون الإنكار للشيء للجهل به وبعد المعرفة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو على التقديم والتأخير؛ كأنه قال: فلما جاءتهم آياتنا مبصرة جحدوا بها ظلمًا وعلوا.
(وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ): أنها من اللَّه، وأنها آياته، ليست بسحر، ولو كان سحرا في الحقيقة لكان آية؛ لأن السحر على غير تعلم يكون منه آية سماوية.
وقوله: (ظُلْمًا): لأنهم جحدوا الآيات وسموها سحرا، فوضعوا الآيات موضع السحر، لم يضعوها موضعها، والظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه.
وقوله: (وَعُلُوًّا) أي: تكبرا وعنادا.
(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ): ليس على الأمر له بالنظر في ذلك، ولكن