وقوله: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ): قَالَ بَعْضُهُمْ: غير طويل.
وجائز أن يكون: فمكث وقتا يأتي في مثله مَن كان غير بعيد؛ لأنه إنما يعبر به عن المكان لا عن الوقت في الظاهر.
فقال: (أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) كأنه يريه المناصحة له والشفقة، يقول: أتيتك من العلم والخبر ما لم تأت أنت ولا أحد من - جنودك، فكيف تعذبني؟!
وفي حرف عبد اللَّه: (فمكث غير بعيد ثم جاءه).
قال أبو معاذ: مكَث: بنصب الكاف ورفعها مكُث لغتان.
وقوله: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ): قَالَ بَعْضُهُمْ: حق لا شك فيه، أي: عند الهدهد، وأما عند سليمان فلا؛ ألا ترى أن سليمان قال له: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)، وقف في خبره لينظر أصدق ما يقول أم كذب؟
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (بِنَبَإٍ يَقِينٍ) أي: عجيب.
ثم اختلف في قوله: (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ)؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: سبأ: اسم رجل تنسب القرية إليه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: اسم بلدة.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: سبأ: أبو اليمن.
فمن جعلها اسم بلدة لم يجر، ومن جعلها اسم رجل جره، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) كأنه على الإضمار، أي: وجدت امرأة تملكهم، أي: تملك أهل سبأ، ألا ترى أنه قال في آخره: (وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) ذكر القوم في آخر الآية؛ دل أن (الأهل) كان مضمرا فيه.
وقوله: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي: أوتيت من كل شيء كما يؤتى الملوك من الذكور من الأسباب والهيئة وغير ذلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: وأوتيت من كل شيء في بلادها.
(وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ): قال أهل التأويل: أي: لها سرير حسن عظيم ضخم، كذا كذا ذراعًا طوله، وكذا كذا ذراعًا عرضه.
وجائز أن يكون العرش كناية عن الملك؛ كأنه قال: (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) أي: ملك