بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)
حيث قالت: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩) فكأنهم قالوا: ممن ذلك الكتاب؛ فقالت عند ذلك (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ).
وقوله: (كِتَابٌ كَرِيمٌ): قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: حسن؛ لما رأت فيه من الكلام الحسن والقول اللطيف.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (كِتَابٌ كَرِيمٌ) أي: مختوم، وقد ذكر في الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " من كرم الكتاب ختمه " أو كلام نحو هذا أو شبهه.
وجائز أن يكون فيه إضمار، أي: إني ألقي إليَّ كتاب من إنسان كريم، وسليمان كان معروفًا بالكرم، يشبه أن يكون قد أتاها خبر كرمه.
و (الْمَلَأُ) قالوا: هم الأشراف وأهل السؤدد.
وقال الزجاج: سموا لما اجتمع عندهم من حاجات الناس، وحسن الرأي والتدبير في كل شيء من الأمور، أو كلام نحو هذا.
وقوله: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) هو ما ذكرنا كأنهم سألوها ممن ذلك الكتاب؛ فقالت: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ)، وسألوها -أيضًا-: ما في ذلك الكتاب؛ فقالت: (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قوله: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ) أي: لا تتكبروا ولا تتعظموا عليَّ.
(وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ): مخلصين لله بالتوحيد، أي: اجعلوا أنفسكم سالمة لله خالصة له، لا تجعلوا لأحد سواه فيها شركا ولا حقا؛ لأنه أخبر أنهم كانوا يسجدون للشمس من دون اللَّه فيخبر في الكتاب، حيث افتتح ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: أن الذي يستحق السجود والعبادة هو اللَّه الرحمن الرحيم لا ما تعبدون أنتم.
ثم إن من عادة الأنبياء والرسل الإيجاز في الكلام والرسائل، لا يشتغلون بفضول الكلام وتطويله، على ما ذكر من كتاب سليمان إلى بلقيس: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ذكر هذا القدر كان الكتاب، واللَّه أعلم.
وقوله: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) استشارت أشراف قومها وطلبت منهم الرأي في ذلك، وهكذا عمل الملوك وعادتهم أنهم إذا أرادوا