جهة الإيثار، ولكن إشفاقًا عليه ورحمة.
ويحتمل أيضًا النهي عن التناول من الشيء على جهة الحرمة، فإذا كان ممكنا هذا محتملا حمل آدم وحواء على التناول منها لما اشتبه عليهما، ولم يعرفا معنى النهي بأَنه نهيُ حرمةٍ، أَو نهي إيثار غيره عليهما، أَو نهي داء؛ لأَنهما لو كانا يعلمان أَن ذلك النهي نهي حرمة لكانا لا يأَتيان ولا يتناولان، وباللَّه التوفيق.
ثم في الآية دلالة على أن الحال التي يكون فيه الإنسان في سعة ورغد يشتد على الشيطان اللعين؛ لأَنه إنما تعرض لآدم وحواءَ بالوسوسة التي وسوس إليهما ليزيل تلك الحال عنهما.
وإنما يبلى بالسعة، والرخاء ثم لما لحقته من الشدائد والبلايا مما كسبت أيدينا؛ لقوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ).
ثم الآية ترد على بعض المتقشفة قولهم بتحريم الطيبات والزينة.
وقوله: (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ).
أي: الضارِّين؛ لأَن كل ظالم ضارٌّ نفسَه في الدارين جميعًا.
وقوله: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا (٣٦)
أي: دعاهما، وزين لهما إلى سبب الزلة والإخراج عنها، لا أَن تولى إخراجهما وإزلا لهما،
وقد ذكرنا أَن الأَشياءَ تسمى باسم أسبابها، أَو الأَسباب باسم الأشياء. وذلك ظاهر معروف في اللغة، غير ممتنع تسمية الشيء باسم سببه.
ثم تكلموا فيما أصاب آدم من الشجرة، وفي جهة النهي عنها: فقال قوم: أكل منها وهو ناسٍ لعهد اللَّه نسيان ترك الذكر.
وأَبى ذلك قوم
واحتج الحسن بأَن نسيانه نسيان تضييع واتباع الهوى، لا نسيان الذكر بأَوجهٍ:
أحدها: ما جرى في حكم اللَّه - تعالى - من العفو عن النسيان الذي هو ترك الذكر، وألا يلحق صاحبَه اسمُ العصيان، وقد عوقب هو به، ونسب إلى العصيان بقوله: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) مع ما تقدم القول فيه أن يكونا من الظالمين.
والثاني: أَن عَدُوه قد ذكَره لو كان ناسيًا؛ حيث قال: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ. . .) الآية.