أضاف إنذاره إلى من اتبع الذكر، وإن كان رسول اللَّه ينذر من لم يتبع، وكذلك ما قال في الشياطين: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ)، إنما يدعو الحزبين جميعًا، لكنه أضاف دعاءه إلى حزبه لما منهم يكون له الإجابة، وأضاف إنذار رسول اللَّه إلى من اتبعه وقبله لطاعتهم له؛ فعلى ذلك الأوّل، أضاف ذلك إلى نفسه لفعلهم.
لكن عندنا لا يكون من الخلق في فعل الخلق حقيقة الفعل، إنما يكون منهم الأسباب، ويكون من اللَّه - تعالى - في أفعالهم الأسباب، وحقيقة الفعل، فيكون إضافة ذلك إلى اللَّه على حقيقة الفعل والأسباب جميعًا وإلى الخلق لأسباب تكون منهم إليهم.
والثاني: إنما خصَّ بالإنذار من اتبع الذكر؛ لأنه إنما يقصد بالإنذار من اتبعه لا من لا يتبعه، وكذلك الشيطان إنما يقصد بدعائهم إياهم حزبه منهم، وإن كان الرسول ينذر الخلق جميعًا: الذي سوف يتبعه والذي لا يتبعه، وكذلك الشيطان يدعو الحزبين جميعًا؛ لأن هذا يقصد ضررهم بما يدعوهم إليه؛ ألا ترى إلى قوله: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، والرسول بما ينذر يقصد نفعهم؛ لذلك خصّ الإنذار لمن اتبعه وخص في ذلك حزبه.
وقوله: (أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) ليس تصريحًا؛ لأنهم لو دعوهم إلى النار لا يجيبونهم، ولكن يدعونهم إلى أعمال توجب لهم النار لو أجابوهم، وهو كقوله: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) أي: ما أصبرهم على عمل يستوجبون به النار.
وقوله: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ) كأن الشيطان مناهم النصر والشفاعة بعبادة الأصنام، فيخبر أنهم لا ينصرون لما مناهم.
وقوله: (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢)
وهو ما عذبوا في الدنيا واستؤصلوا (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) قَالَ بَعْضُهُمْ: مسودون وجوههم.
وجائز أن يكون ذلك جزاء ما افتخووا في هذه بالحلي والزينة، وطعنوا في موسى جوابًا لهم على ما قالوا: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) يخبر أنهم يكونون في الآخرة على غير الحال التي كانوا في الدنيا وافتخروا بها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: المقبوح: هو أن سواد مع الزرقة.