يغيب؛ إذ لو كان هو ممن لا يعلم ذلك من كلام المخلوق لخرج مختلفًا متناقضا على ما يكون من كلام المخلوق في تباعد الوقت وطول المدة مختلفًا متناقضًا.
والثاني: وصل مواعظ القرآن بعضها ببعض ومواعيده بعضها ببعض، وعداته بعضها ببعض، وكذلك أوامره ومناهيه، وإن تفرق نزولها واختلف مواضعها، يدعوهم به مرة بعد مرة؛ لعلهم يتذكرون به.
ومنهم من يقول في قوله: (وَقُلنَا لَهُمُ): القول، أي: الإنباء وإخبار
الأمم الخالية نبأ بعد نبأ وخبرا على أثر خبر ما نزل بمكذبي الرسل منهم من الهلاك والعذاب، ومصدقي الرسل من النجاة والبقاء في النعم الدائمة، على إقرار منهم بذلك وعلم أنه وإن بهم ذلك؛ لعلهم يتذكرون ذلك وينزجرون عن تكذيب رسولهم؛ مخافة أن ينزل بهم بالتكذيب ما نزل بأُولَئِكَ.
وجائز أن يكون قوله: (وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ) أي: قول التوحيد.
ووجه هذا: أن وصلنا التوحيد حتى جعلنا في كل أمة وكل قوم أهل توحيد لم يخل قوم ولا أمة عنه؛ كقوله: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)؛ وكقوله: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ. . .)، ونحو ذلك من الآيات، يدل على أن كل أمة وقرن أهل توحيد؛ لعلهم يتذكرون أن في آبائهم من قد آمن بالرسل وصدق بهم، ولا يقولون: إن آباءنا على ما هم عليه، يشبه أن يكون هذا وصل القول الذي ذكر.
و (وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ).
قال أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: أي: أتبعنا بعضه بعضا؛ فاتصل عندهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَصَّلْنَا) أي: بينا شيئًا فشيئا؛ حتى صار عندهم ظاهرًا.
وقال أبو معاذ: وصلنا في كلام العرب: أتممنا؛ كصلتك الشيء بالشيء.
وقوله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وقال في آية أخرى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). وقال في آية أخرى: (فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ)، وقال: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)، وأمثاله.
يذكر في هذه الآيات أن من أهل الكتاب من لم يؤمن، ويذكر في الأولى على