غفلة وسهو، لكن أنشأهم لمنافع أنفسهم ولحاجة لهم لا لحاجة ومنفعة له في إنشائه إياها، وهو ما قال: (إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، وقال هاهنا: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) العزيز: قيل: إنه المنيع.
وقيل: إنه الذي يذل كل شيء دونه.
لكن العزيز عندنا: هو الذي لا يعلو سلطانه شيء، ولا يقهر ملكه شيء، ويعلو سلطانه وإرادته على جميع الأشياء ويقهرها.
والحكيم: قيل: الذي له الحكم.
وقيل: هو المصيب.
وقيل: هو الذي يضع كل شيء موضعه.
والحكيم عندنا: هو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣) فَإِنْ قِيلَ: ذكر أنه لا يعقلها إلا العالمون، والعقل يسبق العلم بالشيء؛ إذ بالعقل يعلم ما يعلم، فكيف ذكر أنه لا يعقل إلا العالمون، ولم يقل: وما يعلمها إلا العاقلون؛ فهو - واللَّه أعلم - لوجوه:
أحدها: أن الأمثال إنما تضرب لتقريب ما يبعد عن الأوهام، ولكشف ما استتر من الأشياء على الأفهام وتجليها عما خفيت فلا يعقل الأمثال أنها لماذا ضربت؟ - إلا العالم.
والثاني: أن العقول تعرف أسباب الأشياء ودلائلها، فإما أن تعرف حقائق الأشياء وأنفسها فلا، من نحو المسالك والطرق إلى البلد التي تعرف مسالكها وطرقها التي بها يوصل إليها، فأما أعينها فلا، وكذا المراقي التي بها يعلو ويرتفع، فأمّا عين العلو فلا، وأما العلم فإنه يوصل إلى معرفة حقائق الأشياء وأنفسها وصورها؛ لذلك كان ما ذكر.
والثالث: أن يكون قوله: (وَمَا يَعْقِلُهَا) أي: وما ينتفع بما ذكر إلا العالمون، وهو كما قال: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ)، نفى عنهم هذه الحواس وإن كانت لهم أنفس تلك الحواس لما لم يستعملوها فيما جعلمط وأنشئت، ولم ينتفعوا بها، فنفى عنهم تلك؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) أي: ما ينتفع بما يعقل إلا العالم، فأما من لم ينتفع فلا يعقل، واللَّه أعلم.
وقوله: (خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) يحتمل قوله: (بِالْحَقِّ) أي: لعاقبة، وهو البعث؛ لأنه لم يخلقهما لأنفسهما، وكذلك لم يخلق الدنيا للدنيا، ولكن إنما خلقها للآخرة؛ إذ بالآخرة يصير خلقها حكمة وحقا؛ لأنه لو لم يكن خلقها لعاقبة كان خلقها