نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
وقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١)
إنهم أعطوا جميعًا بألسنتهم: أن الذي خلق السماوات والأرض، وما سخر لهم من الشمس والقمر، وما نزل من السماء من الماء، وما أحيا به الأرض - هو اللَّه لا غيره، فيخرج قوله: (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) على أثر ما أعطوا بألسنتهم ونطقوا به على وجهين:
أحدهما: أنى يصرفون عما أعطوا بألسنتهم ونطقوا به إلى صرف الشكر والعبادة إلى الأصنام التي يعلمون أنها لبم تخلق شيئًا مما أعطوا بألسنتهم.
والثاني: (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي: في تسميتهم الأصنام: آلهة على علم منهم أنها ليست بآلهة، واللَّه أعلم.
وقوله: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ... (٦٣) على أثر ما ذكر يخرج على وجوه:
أحدها: أمره أن يحمد ربه فيما لم يبل بما بلي به أُولَئِكَ من التكذيب والعناد والكفر بربهم.
والثاني: أمره أن يحمد ربّه؛ لما في ذلك إظهار سفههم؛ حيث أعطوا باللسان أن ذلك كله من اللَّه، واللَّه خالق ذلك كله، ثم صرفوا ذلك إلى غيره.
والثالث: يقول بعضهم: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على إقرارهم بذلك أنه خلق لله، وأن ذلك كله منه، واللَّه أعلم.
وقوله: (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) يحتمل قوله: (لَا يَعْقِلُونَ) أي: لا ينتفعون بعقولهم؛ نفى عنهم العقول؛ لما لم ينتفعوا بها، كما نفى عنهم السمع والبصر واللسان لما لم ينتفعوا بقلك الحواس؛ فعلى ذلك هذا.
والثاني: لم يعقلوا لما تركوا النظر والتفكر في الأسباب التي بها تعقل الأشياء، والله أعلم.
وقوله: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)
وقوله: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) لو كان الأمر على ظاهر ما نطق به الكتاب دون معان تودع فيه وحكمة تجعل فيه على ما يحمله بعض الناس - لكان لأهل الإلحاد في ذلك مطعن؛ لأنه يقول: ما الحياة إلا لهو ولعب وهو خلقها، فيقولون: لِمَ خلقها لهوًا ولعبًا وهو خلقها؛ ولهم دعوى التناقصْ فيه؛ حيث قال: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا) ووقال في آية أخرى: (وَمَا