الرخاء والشدة، ذاكرين له شاكرين؛ لأنهم في حال الشدة والبلايا أكثر ذكرًا له وإنابة من حال السعة والرخاء، فينبههم ليكونوا في كل حال ذاكرين له منيبين إليه راجعين.
وفيه دلالة: شدة سفه أُولَئِكَ الكفرة؛ حيث أنابوا إليه وأخلصوا له الدِّين عندما يصيبهم الشدة والبلاء، ويعرضون عنه ويشركون في ألوهيته عند السعة. وفي طباع الخلق في الشاهد خلاف ذلك: أن من ضيق على آخر أمره وشدده فهو يعرض عنه ويبغضه، ومن أنعم عليه من ملوك الأرض وأحسن - أطاعه وأحبه؛ فهم لشدة سفههم عكس طباعهم، وخالفوا طباع الناس جميعًا، واللَّه أعلم.
وقوله: (ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً).
أي: السعة والرخاء.
(إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ).
فَإِنْ قِيلَ: ما فائدة ذكر هذه الآيات وأمثالها، وهم كانوا لا يؤمنون بها، ولا ينظرون فيها.
قيل: قد يحتج عليهم بما لا يقرون ولا ينظرون فيه.
أو أن ينظر في ذلك فريق جمنهم ويعرفونه، واللَّه أعلم.
وقوله: (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو على التقديم والتأخير؛ يقول: إذا أذاقهم منه رحمة؛ لئلا يكفروا، وإنما أذاقهم رحمة لئلا يكفروا، لكنهم كفروا، إلى هذا ذهب مقاتل.
وعندنا ما ذكرنا: هو أذاقهم منه رحمة؛ ليكون منهم ما قد علم أنهم يختارون، ويكون منهم، وهو الكفر، ولا جائز أن يذيقهم الرحمة؛ لئلا يكفروا، ويعلم منهم أنهم يختارون الكفر ويكون منهم ذلك؛ فدل أنه ما ذكرنا.
ثم في الآية دلالة نقض قول المعتزلة في قولهم: إن على اللَّه الأصلح للعباد لهم في الدِّين، وقولهم: إذا علم من أحد منهم الإيمان في وقت من الأوقات ليس له أن يخترمه؛ ولكن عليه أن يبقيه إلى ذلك الوقت؛ لأنه لو اخترمه قبل ذلك الوقت لكان هو المانع إيمانه.
فيقال: إن أُولَئِكَ الكفرة لما أخلصوا دينهم لله في حال الشدة وخوف الهلاك لم يبقهم اللَّه على ذلك الإخلاص والحال التي كانوا يخلصون الأمر له والدِّين، بل وسع عليهم، وحولهم من تلك الحال، حتى عادوا إلى ما كانوا؛ دل أن ليس على اللَّه حفظ الأصلح