وقال في آية أخرى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ)، والرواسي: هن الثوابت، أي: أثبت الأرض بالجبال؛ كقوله: (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) أي: أثبتها.
وقوله: (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)، أي: لئلا تميد بكم، ذكر الميد - وهو الميل والاضطراب - وليس من طبع الأرض الميل والاضطراب؛ وإنما طبعها التسرب والتسفل والانحدار؛ فلا يدري أن كيف حالها في الابتداء؛ وما في سريتها مما يحملها على الاضطراب والميد؛ حتى أثبتها وأرساها بالجبال، واللَّه أعلم بذلك.
وقوله: (وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: بث: خلق، وقيل: بث: فرق، وفيه أنه جعل الأرض مكانا ومعدنا لكل أنواع الدواب الممتحن وغير الممتحن، والمميز وغير المميز، والسماء لم تجعل إلا لنوع من الخلق أهل العبادة.
وقوله: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ).
أي: أنبتنا فيها من كل لون يتلذذ به الناظر إليه، كريم ينال منه كل ما أراده وتمناه؛ إذ الكريم هو ما يطمع منه نيل كل ما عنده وأريد منه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الكريم: الحسن، أي: أنبتنا فيها من كل لون حسن ما يستحسنه الناظر ويتلذذ به، على ما ذكر في آية أخرى: (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ): ما يبهج ويسر به كل ناظر إليه، واللَّه أعلم.
وقوله: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ ... (١١)
يقول: ما ذكر من خلق السماوات والأرض وما بث من الدواب، وما أنبت من كل زوج كريم.
وقوله: (فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ).
يذكر سفههم، يقول: إنكم تعلمون أن ما ذكر من السماوات والأرض، وجميع ما فيهما - هو كله خلق اللَّه، وأنه هو خالق ذلك كله، وأن الأصنام التي تعبدونها من دونه لم تخلق شيئًا من ذلك، ولا تملك خلق شيء؛ فكيف تعبدونها من دونه، وسميتموها: آلهة، وصرفتم العبادة والألوهية عن الذي خلقكم وخلق السماوات والأرض وما فيهما؟! وإنما يستحق الألوهية والربوبية لخلقه ما ذكر؛ فالأصنام: إذا لم يكن منها خلق؛ فكيف سميتموها: آلهة وعبدتموها دون اللَّه؟! هذا - واللَّه أعلم - تأويل قوله: (فَأَرُونِي مَاذَا