أحدها: ما ذكرنا: وهو محسن إلى نفسه في عمله: لا يستعملها إلا فيما أمر بالاستعمال فيه، وهو طاعة اللَّه لا يوقعها في المهالك.
أو هو محسن إلى الناس بالمعروف والبر.
أو محسن، أي: عالم؛ كما يقال: أحسن، أي: علم.
وبعض أهل التأويل يقول: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ)، أي: أخلص عمله لله، (وَهُوَ مُحْسِنٌ)، أي: مؤمن؛ كقوله: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، وهو قول ابن عَبَّاسٍ ومقاتل، يقول: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ)، أي: يخلص دينه لله، (وَهُوَ مُحْسِنٌ): في عمله، (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ).
وقوله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى): هو ما ذكرنا: أنه استصسك بأوثق العرا وأثبتها؛ لأنه إنما ثبت بالحجة والبرهان لا بالهوى والتمني، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
هذا يخرج على وجوه:
أحدها: وإلى اللَّه تدبير عاقبة الأمور وتقديرها، لا إلى الخلق.
والثاني: إلى من له التدبير والتقدير يرجع عاقبة الأمور.
أو أن يخص رجوع عاقبة الأمور والمصير والرجوع إليه والبروز له والخروج، وإن كانوا في جميع الأوقات كذلك؛ لما ذكرنا - أن المقصود من خلق هذا العالم - العالم الثاني، والمقصود من خلق الدنيا: الآخرة؛ إذ به يصير حكمة وحقا؛ فخص ذلك له وأضافه إليه لذلك.
أو لذكر ذلك؛ لما لا ينازع في ذلك اليوم وقد نوزع في هذه؛ ولذلك قال: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ). وقوله: (وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ... (٢٣) حزنا تتلف وتهلك فيه، كقوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)؛ فيخرج قوله: (فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) على التخفيف عليه والتسلي، ليس على النهي، وكذلك قوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)، على التخفيف عليه والتيسير، ليس على ترك الإشفاق والحزن عليهم؛ لأن رسول اللَّه كادت نفسه تهلك؛ إشفاقًا عليهم وحزنًا على كفرهم؛ فيخرج ذلك على التخفيف عليه والتسلي.
والثاني: قوله: (فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ): لا يحزنك تكذيبه إياك؛ فذكر كفره؛ لأنه