أو أن يكونوا لم يعلموا بجزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا - في الآخرة، واللَّه أعلم.
وقوله: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)
كأنه يخبرهم ويذكرهم: أن ما يأمرهم به وينهاهم عنه، وما يمتحنهم من جميع أنواع المحن لا لحاجة نفسه أو لدفع المضرة عن نفسه؛ ولكن لحاجة أنفس الممتحنين ولمنفعتهم ولدفع المضرة عنهم؛ إذ من بلغ ملكه وغناه وسلطانه المبلغ الذي ذكر حتى كان له جميع ما في السماوات والأرض - لا يحتمل أن يأمر الخلق وينهى أو يمتحن لحاجة نفسه؛ ولكن لحاجة الخلق في جر المنفعة ولدفع المضرة.
أو يذكرهم نعمه عليهم؛ ليتأدى به شكره، حيث سخر لهم ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهما، وحقيقة ملك ذلك كله له.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ): الغني بذاته لا يعجزه شيء، أو غني عمن استغنى عنه، (الْحَمِيدُ)، قيل: أهل أن يحمد ويشكر بذاته.
وقيل: حميد في فعاله وصنائعه، ويكون الحميد بمعنى: الحامد، ويكون بمعنى: المحمود، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)
لا يحتمل أن يكون ذكر هذا الكلام ابتداء من غير أمر أو سؤال أو خطاب سبق من القوم حتى ذكر هذا، لكنا ما نعلم ما سبب ذلك؛ وما قصته؛ وما أمره؛ حتى أنزل هذا، لكن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: إن اليهود - أعداء اللَّه - سألوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن الروح وما هو؛ فنزل: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي: من علم ربي، لا علم لي به، وتلا قوله: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) أي: يسيرًا في علم اللَّه، فلما قرأ عليهم هذه الآية قالوا: كيف تزعم هذا وأنت تزعم أن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا؛ فكيف يجتمع هذا: علم قليل وخير كثير؟! قال: فنزل (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ)، يقول: تبرى الشجرة أقلامًا، والبحر يمده سبعة أبحر؛ فتكون كلها مدادًا يكتب بها علم اللَّه لانكسرت الأقلام، ولنفذ المداد ولم ينفذ علم اللَّه، فما أعطاكم من العلم قليل فيما عنده من العلم كثير فيما عندكم، إلى هذا يذهب أكثرهم.