أو أن يذكر هذا؛ لأن الواحد والكل والقليل والكثير وما كان وما يكون تحت قوله: (كُن فَيَكُونُ)، معبر بكن مترجم به من غير أن كان منه (كاف) أو (نون)، لكنه ذكر (كُن)؛ لأنه أوجز حرف في كلام العرب وأقصر كلام يترجم به من غير أن كان منه (كاف) أو (نون)، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ): كأنه قد كان من أُولَئِكَ من قول أو كلام في ذلك؛ حتى قال: (سَمِيعٌ) لذلك، (بَصِيرٌ) عالم لذلك.
أو بصير بأحوال الخلق وبأمورهم.
وقوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩)
يذكرهم قدرته وسلطانه وعلمه وتدبيره، وفيه دلالة البعث.
أما قدرته: فلما أدخل الليل في النهار والنهار في الليل، ثم حفظهما على حد واحد وعلى ميزان واحد، على غير تفاوت يقع في ذلك ولا تغير؛ فمن قدر على ذلك لا يعجزه شيء ولا يخفى عليه شيء، وكذلك ما ذكر: من تسخير الشمس والقمر، وما يقطعان في يوم واحد وليلة واحدة - مسيرة خمسمائة عام ما لا يتصور ذلك في أوهام الخلق ولا في تقديرهم قطع ذلك المقدار من المسير في مثل تلك المدة.
ودل إنشاء أحدهما وإحداثه بعدما ذهب الآخر برمته وكليته حتى لا يبقى له أثر - على أنه قادر على الإحياء بعد الموت وبعدما ذهب أثره؛ ففي ذلك دلائل من وجوه: أحدها: دلالة قدرته؛ حيث أدخل أحدهما في الآخر، وحفظهما كذلك على حد واحد وتقدير واحد، على غير تغيير وتفاوت يقع في ذلك؛ دل ذلك على قدرته وعلمه وتدبيره.
ودل إنشاء كل واحد منهما بعدما ذهب الآخر على القدرة على البعث.
وقوله: (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى).
إلى الوقت الذي جعل له، لا يتقدم ولا يتأخر.
(وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ): ظاهرًا وباطنًا هذا وعيد؛ ليكونوا أبدًا خائفين حذرين متيقظين، واللَّه أعلم.
وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠)
أي: ذلك الذي ذكر من خلق الخلق وإنشاء ما ذكر وتسخيره لمن ذلك، وصنعه في الليل والنهار والشمس والقمر وجميع ما ذكر هو صنع الإله الحق المستحق لتسمية