فيما تقدم من الذكر؛ وكأنه أصوب وأقرب إلى الحق، وهو أن ذلك حرف وكلام لم يجعل اللَّه - تعالى - في العقول والأفهام سبيل الدرك له والمعرفة - أعني: لقوله (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) - لأنه ذكر ذلك الحرف في موضع آخر، وأمره أن يسأل به خبيرًا؛ حيث قال: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)، ولو كان ذلك الحرف مما لعقول البشر وأفهامهم سبيل الوصول إلى معرفته ودركه لأدركه عقل رسول رب العالمين وفهمه من غير أن يسأل به الخبير من كان: اللَّه أو جبريل، فإذا أمره بالسؤال عنه دل أنه بالعقل والفهم لا يدرك ولا يعرف؛ ولكن بالسمع عن اللَّه. ولم يذكر عن الرسول أنه فسر ذلك أو قال فيه أو سأله أحد عنه، واللَّه أعلم.
وقوله: (مَا لَكُم مِنْ دُونهِ مِن وَليٍّ وَلَا شفيع).
يقول أهل التأويل: ما لكم من دونه من ولي ينفعكم في الآخرة، ولا شفيع يدفع عنكم عذابه.
أو أن يكون قوله: (مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ)، أي: رب وإله يلي أمركم سواه، (وَلَا شَفِيعٍ): لا هو ولا غيره، وأما للمؤمنين فإنه وليهم؛ كقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ).
وقوله: (أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ).
فيما ذكر من صنعه؛ فتوحدونه، واللَّه أعلم.
وقوله: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥)
قال أهل التأويل: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ)، أي: هو يقضي القضاء وحده من السماء والأرض.
وعندنا أنه يخرج على وجهين:
أحدهما: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ)، أي: هو يكون الأمر ويدبره.
أو هو يجعل الخلق بحيث يقبلون الأمر والنهي ويحتملون المحنة.
أو هو يخرج الأمر كله على الحكمة والتدبير.
والثاني: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ)، أي: يولي من يدبر الأمر من السماء إلى الأرض؛ نحو ما ولى ملك الموت قبض أرواح الخلق، ونحو ما ولى بعض ملائكته أمر الأمطار والنبات وغير ذلك؛ فجائز أن يكون الأول يولي ملائكته أمر ما بين السماء والأرض.
فإن كان الأول فليس ذكر السماء والأرض حدّا ولا تقديرًا؛ يدبر ما سوى ذلك، لكن ذكر هذا؛ لما إلى ذلك ينتهي تدبير البشر وعلمهم، وأما ما سوى ذلك فلا.
وإن كان الثاني فهو على التحديد، واللَّه أعلم.