ما جعل في خِلْقة كل أحد شهادة وحدانيته وألوهيته قبل ذلك إنما يدرك بالنظر والتفكر، وأما فيما ذكر يدرك بالبديهة، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)
أي: قادة في الخير: يحتمل قوله: (يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) أي: يدعون الناس بما أمرهم، وهو التوحيد، أو (يَهْدونَ)، أي: يبينون لهم بالذي أمرنا: ما لهم وما عليهم.
وقوله: (لَمَّا صَبَرُوا):
ْقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: بما صبروا على البلاء وتعذيب فرعون إياهم وأذاه إياهم، أي: آمنوا ودعوا غيرهم إلى ذلك على الخوف، كقوله: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ. . .) الآية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَمَا صَبَرُوا) على الطاعات. وقد قرئ: (لَمَّا صَبَرُوا): بالتشديد، ومعناه - واللَّه أعلم - أي: بما يهدون؛ لما كان منهم الصبر على ذلك، أي: بالصبر الذي كان منهم هدوا أُولَئِكَ.
وقوله: (وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
أنها من اللَّه، وأنها آياته.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَمَّا صَبَرُوا)، أي: لم يركنوا إلى الدنيا، ولا اشتغلوا بها، ولكن صبروا على أمره؛ إذ كلفوا، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥)
إن أهل الأديان جميعًا، والمذاهب على اختلاف أديانهم ومذاهبهم اتفقوا أن الدِّين الذي جاء من اللَّه واحد، وأن الدِّين الذي أمر اللَّه أن يدينوا به واحد، لكن كلا منهم ادّعى أن الذي هو عليه دين اللَّه، وأن الأمر به من اللَّه وقع على ما يدين هو به، وغيره على باطل على غير دين اللَّه الذي أمر بالديانة به، وكذلك قالوا: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً. . .) الآية، فأخبر أنه يفصل بينهم ويبين الدِّين الذي أمر أن يدينوا به في الدنيا بيان الاحتجاج عليهم؛ وإلا قد أبان لهم وأظهر الذين الذي أمرهم أن يدينوا به بالحجج والآيات، وعرفوا ذلك، لكنهم كابروا وعاندوا، وكتموا ذلك ولبسوا على الناس والأتباع؛ فيبين ما كتموا في الدنيا ولبسوا في الآخرة، فيظهر عنادهم ومكابرتهم؛ احتجاجًا عليهم،