الذين ظاهروا أبا سفيان والمشركين جميعًا على رسول اللَّه وأصحابه، (مِنْ صَيَاصِيهِمْ)، أي: من حصونهم.
(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ)، وهم المقاتلة، (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا)، وهم النساء والذراري.
(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (٢٧) أي: لم تملكوها، اختلف في قوله: (وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا): قَالَ بَعْضُهُمْ: هي أرض مكة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هي أرض الشام وقراها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هي أه ض خيبر، أي: سيورثكم اللَّه إياها: فأما أرض مكة فقد فتحها وتركها في أيدي أهلها، وكذلك بلاد الشام وقراها.
وعن الحسن: هي أرض الروم وفارس وما فتح اللَّه عليكم.
وأما خيبر فقد فتحها وقسمها بين من ذكرنا وجعلها فيئًا؛ فهو أشبه من غيره؛ ففيه أن من يخلف في ملك غيره وصفا ملكه للآخر وانتقل إليه يسمى: وارثًا بموت أو بغيره؛ حيث قال: (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ. . .) الآية، وكذلك ما قال: (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ. . .) إلى كذا، وقوله: (يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ)، أي: يبعثون فيها، ونحوه، وكقوله: (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، أي: يبقى له ملك السماوات والأرض، أي: لا ينازع فيه. وكذلك يخرج قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ)، أي: نبقى فيها، والخلائق يفنون.
ثم الفائدة في ذكر هذا وأمثاله لنا، إذ هم قد شاهدوها وعاينوها، يخرج على وجوه: أحدها: تعريف لآخر هذه الأمة أن أوائلهم ما قاسوا وما تحملوا من الشدائد والبلايا في أمر هذا الدِّين، حتى بلغ هذا المبلغ؛ فنجتهد نحن كما اجتهد أُولَئِكَ في حفظ هذا الدِّين وفي أمره.
والثاني: أمرهم بالتأهب مع العدوّ حتى أمروا بالخندق والتحصن بأشياء، ثم جاءهم الغوث من اللَّه بغير الذي أمروا؛ ليكونوا أبدًا متأهبين مستعدين لذلك، ولا يرجون النصر